عداد المياه متوقف لأنّه ليس هناك مياه، منذ ركّبناه قبل سنوات وسنوات وسنوات، ومع الاتصالات المتعددة معهم يصلني خلال السنة ما بين أربع أو خمس “تانكات صغيرة”، وفي يوم جاءني مُحصّل يقول: إنّ عليّ دفع فوق السبعمائة دينار!
وفوق ذلك. فكان هناك إنذار عدلي بالتحويل إلى الأموال الأميرية، ومع الاتصالات والواسطات والشرح والشكاوى تم تشكيل لجنة، وخصموا مبلغاً لا يتعدى الزهيد من المال، ودفعت خوفاً على العداد على الذي لا يعمل، ولا يصل منه ماء، وتعرفون قصة “العداد” في مسرحية عادل إمام “شاهد ما شاف حاجة” وحكاية فواتير الهاتف غير الموجود أصلاً!
الطريف أنّه عقد مجلس الوزراء في جرش، واستمع دولته إلى أنّ أغلب الشكاوى تتركّز على المياه، واستخراجها، وتوزيعها، وأكثر من ذلك فأغلب البرامج الحوارية والاخبارية التي تلت الزيارة كان همّ همّها المياه.
لا أنسى أن أذكر أنّه تصلني في كل شهر حتى الآن فاتورة شهرية قيمتها نحو خمسة عشر ديناراً مع أوّل كلّ شهر، دون الحصول على نقطة مياه واحدة من خط البلدية، وتعرفون أنّ هذا المبلغ يغطي مزرعة بعشرات الدونمات، أمّا بيتي فلا يتعدى الدونم الواحد!
هناك أمور صعبة الفهم في بلدنا، فكيف يمكن لشركة فاشلة أن تستمر في عملها، والسوس ينخر في عظمها سنوات وسنوات، والكلّ يشكون من عملها، وما زالت قائمة على عملها دون أدنى تصرّف من الحكومات.
أتحدث وبكل صراحة عن شركة مياه اليرموك، تلك التي سمعت شخصياً شكوى وزراء المياه منها، وحين كنتُ أسألهم عن الحلول التي بجعبتهم، كانت إجابتهم قريباً قريباً، ولا شيئ يأتي، وأنا أتحدّث عن السنوات بعد السنوات، والوزراء بعد الوزراء!
عليّ، الآن، أن أتوجّه إلى رئيس الحكومة شاكياً، مثلاً، بأنّ نحو خمسين بيتاً لم تصلهم المياه منذ خمس عشرة سنة، ويضطرون إلى شرائها من مافيا الصهاريج، مع أنّ لديهم اشتراكات شهرية يدفعونها كما تنزل طائرة اضطرارياً في مطار قصيّ، وغيرنا كثيرون في عشرات البلدات!
شركة مياهنا في عمّان توصل المياه أسبوعياً للمشتركين، وبالمبلغ المعروف الذي لا يتجاوز الدينارين شهرياً، ويقول الوزير إنّ كلّ أردني ستصله ستة آلاف لتر كلّ أسبوع في أنحاء الأردن، مع كلّ هذا الشحّ في المياه، ولكنّ ذلك مجرد كلام في الهواء لمن يعيشون تحت نقمة شركة اليرموك، ونعمة لمن يعيشون في عمان، أمّا شمال الأردن، وربما جنوبه، كما كتبت الزميلة فلحة بريزات عن معاناة مشابهة في دليلة الحمايدة، فله رب يحميه!
لستُ في وارد التشويش على صديقي وزير المياه، في وقت أعرف أنّه يعيش المعادلات الصعبة، وفي الوقت نفسه فأنا وغيري عطشى، والشجر يموت حولنا، لمجرد أنّ الوزارة تريد إرضاء عمّان، ومن بعدها فليذهب الطوفان!
وهكذا فرسالتي الآن إلى رئيس الحكومة الدكتور جعفر حسان: فلتكن زيارتك المقبلة إلى هذه الشركة التي تحمل إسم اليرموك وليس لها من إسمها نصيب، وستعرف الصحيح وتقرّر بعده ما ينبغي له أن يكون، لأنّ العطش صعب، وقاهر، أمّا ما يقدمونه من فواتير وهمية مرعبة فالشكوى لله والقضاء، وللحديث بقية!