العموم نيوز: أصبحت الدميتان رائجتين في السوق الإيرانية، حيث تُباعان في المتاجر الإلكترونية. لكنّ هاتين الدميتين تحولتا إلى مشكلة جديدة للمصنّعين والبائعين لهما، وتهديد مستجدّ للحكومة في إيران.
أعلنت نيابة العاصمة الإيرانية طهران، الاثنين، أنها أصدرت أوامر إلى السلطة القضائية بـ”تحديد العناصر الكامنة وراء إنتاج وتوزيع والترويج للدُّمى المسيئة والمُهينة للمقدسات، وتقديمهم إلى القضاء”.
وأشارت وسائل الإعلام الإيرانية إلى أن سبب وصف هذه الدمى بأنها “مسيئة”، في إطلاق اسمين دينيين عليهما، وهو ما أثار غضب مجموعة من المستخدمين الأصوليين في شبكات التواصل الاجتماعي.
واعتبر هؤلاء المستخدمين أن إطلاق أسماء الرموز الدينية على دمى تُضغط وتُعجن بالأيدي وتُستخدم لتفريغ التوتر، هو “كسرٌ للمعايير” و”إهانة للمقدسات الشيعية”، وطالبوا بالتعامل بحزم مع المنتجين والموزعين.
أما وكالة أنباء “فارس” التابعة للحرس الثوري فوصفت ذلك بأنه “كسرٌ لقدسية الأسماء المباركة”، وتساءلت: “لماذا لم يُستخدم أسماء عصرية بدلا من ذلك؟”.
وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أُطلقت عريضة إلكترونية لجمع التواقيع ضد هذه الدمى، وطالب موقعو العريضة، النيابة العامة ووزير الثقافة والإرشاد ورئيس شرطة الإنترنت (فتا) بـ”سحب هذه الدمى فورا من الأسواق ووقف إنتاجها، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الفعل، ومنع تكرار مثل هذه الحالات مستقبلا”.
وتُثير هذه الطريقة في التعاطي مع الأمر تساؤلا: لماذا يمكن حتى لدُمية بسيطة أن تتحول إلى أزمة ثقافية في المجتمع الإيراني؟.
أهمية الدمية من منظور علم النفس
يرى بعض علماء النفس، مثل البريطاني دونالد وينيكوت، أن علاقة الطفل بالدمية تشكّل امتدادا للعلاقة العاطفية بالأم، ويمكن أن تساعده في إدارة القلق والخوف والحاجة إلى الأمان والسكينة.
تقول “إلهام”، معالجة نفسية تقيم في طهران، لقناة “إيران إنترناشونال” الناطقة بالفارسية ومقرها لندن، إنها لاحظت في السنوات الأخيرة زيادة في مستويات التوتر والقلق والشعور بالوحدة بين مراجعيها، وتعتقد أن دمى مثل “مرتضى” و”مرضية”، إذا صُمّمت وقُدّمت بشكل صحيح، يمكن أن تساعد في تخفيف القلق اليومي وتعزيز الشعور بالمؤانسة.
وأضافت: “يمكن للدمية في بعض الحالات أن تكون وسيطا بين الفرد ومشاعره. فعندما يتمكّن الأشخاص من لمس هذه الدمى أو حتى الاحتفاظ بها إلى جانبهم، فإنهم يفتحون منفذا لتفريغ جزء من طاقتهم الانفعالية السلبية”.
من باربي إلى مرتضى ومرضية
لطالما تعاملت السلطات الإيرانية مع الدُّمى بما يتجاوز كونها مجرد ألعاب. فدخول دُمى “باربي” إلى إيران في العقد الأول من القرن الحالي قوبل برد فعل عنيف من السلطات التي اعتبرتها تهديدا للهوية الإسلامية وأداة لنشر الانحلال الأخلاقي.
وفي عام 2011، أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن شرطة الإشراف على الأماكن العامة أصدرت أوامر بجمع دُمى باربي من المتاجر ومنعت بيعها.
وسعت السلطات الإيرانية آنذاك إلى إطلاق بديل ثقافي هو مشروع “سارا ودارا”. وقالت “بريسا”، شابة في الثالثة والعشرين من مشهد، لقناة “إيران إنترناشونال”: “عندما كنت طفلة، كنت أعشق باربي. وكثير من صديقاتي وزميلاتي شعرن بالشيء نفسه. كنا نحلم بأن نكون مثل باربي في عالم صغير جميل وحر، نلعب فيه بإبداع. كانت باربي بالنسبة لنا أكثر من مجرد دمية، كانت رمزا لعالم من الحرية”.
الدمية مرآة المجتمع
ترى “إلهام” أن الدمى، بقدر ما تساعد الأطفال على النمو، يمكنها أيضا أن تعكس الحالة النفسية الجمعية لدى الكبار، وأن التعامل الغاضب مع جمادٍ بسيط قد يكون انعكاسا لمخاوف داخلية.
ومن هذا المنظور، قد تكون ردة فعل الحكومة العنيفة تجاه “مرتضى ومرضية” نابعة من خوفٍ أعمق من فقدان السيطرة على المجتمع في قضايا مثل الحجاب وتغيّر أنماط الحياة في شرائح مختلفة من الإيرانيين.
في المقابل، يرى منتقدو هذا النهج أن على الحكومة، بدلا من القمع والتجريم، أن تفتح المجال للحوار والتثقيف، وأن تعترف بقدرة المجتمع على الإبداع والتعبير الحر.