يمثِّل الاستقلال للعديد من الشُّعوب القدرة على تحقيق الذَّات والتَّحرُّر من القيود الخارجيَّة. إنَّه مفهوم يتجاوز مجرَّد التَّحرُّر السِّياسيِّ، حيث يشمل أيضًا الاستقلال الاقتصاديَّ والاجتماعيَّ والثَّقافيَّ. كما وينظر إلى الاستقلال كقيمة إنسانيَّة عالميَّة، حيث يرتبط بالكرامة والحقوق الأساسيَّة. وانطلاقًا من هذا المفهوم فإنَّ عيد الاستقلال بالنِّسبة لنا في الأردنِّ يشكِّل حدثًا وطنيًّا بارزًا نحتفل به في كلِّ عام، حيث يحتفل الجميع بذكرى الاستقلال عن الاستعمار. هذه المناسبة تعتبر بالنِّسبة لنا تجسيدًا للسِّيادة الوطنيَّة وللجهود الَّتي بذلها الأردنِّيُّون في سبيل تحقيق حرِّيَّتهم واستقلالهم. حيث يعود تاريخ هذه الذِّكرى إلى 25 مايو 1946، وهو اليوم الَّذي أعلن فيه عن انتهاء الانتداب البريطانيِّ على الأردنِّ وبداية تكوين دولة حرَّة ومستقلَّة.
لقد مرَّ الأردنُّ عبر مراحل تاريخيَّة بأحداث عديدة ساهمت في تشكيل هويَّته الوطنيَّة، ومن أبرزها مرحلة الانتداب الَّذي بدأ بعد الحرب العالميَّة الأولى. تلك الفترة التي اجترح الأردنِّيُّون خلالها العديد من المحاولات لنيل حقوقهم الوطنيَّة، حيث بدأت الحركة الوطنيَّة في الظُّهور منذ العشرينيَّات والثَّلاثينيَّات من القرن الماضي، معبِّرةً عن طموحات شعبنا الأردنِّيِّ في الاستقلال وتقرير مصيره. ونيل استقلاله ،هذا الاستقلال جاء بفضل الجهود المنسَّقة بين القيادات السِّياسيَّة الَّتي قادها ملوك الهاشميِّين والشَّعب الأردنِّيُّ بكلِّ أطيافه، وبفضل هذا التَّلاحم بين القيادة والشَّعب استطاع الأردنُّ الحصول على استقلاله وتحقيق أهدافه الوطنيَّة، ليمثِّل فصلاً تاريخيًّا في مسيرته. لا شك أن هذه المناسبة مثَّلت لنا كمواطنين فرصة لاستذكار تلك اللَّحظات التَّاريخيَّة الهامَّة، وكذلك مناسبة لتعزيز الوعي الوطنيِّ حول الحقوق والوجبات في بناء الوطن. فمن خلال الفعَّاليَّات الوطنيَّة الَّتي تقام في هذه المناسبة يتمُّ تجديد العهد على السَّير قدمًا نحو مستقبل مشرق يتشارك الجميع فيه ببناء الأردنِّ الحديث بقيادة جلالة الملك عبد اللَّه الثَّاني ابن الحسين وسمو ولي عهده الأمير الحسين بن عبدالله . ومن الجدير بالذِّكر أنَّ الطَّريق نحو الاستقلال لم يكن سهلاً، إذ واجهت الحركات الوطنيَّة طيفًا من المعوِّقات، بما في ذلك التَّأثيرات السِّياسيَّة الإقليميَّة والتَّدخُّلات الخارجيَّة. ولكن وبالرَّغم من ذلك، تمكَّن الأردنِّيُّون من تنظيم أنفسهم والضَّغط لتحقيق تطلُّعاتهم. ومن أبرز هذه الحركات كان تأسيس الحزب الوطنيِّ عام 1944، وهو ما ساهم في تجميع جهود المواطنين نحو المطالبة بالاستقلال.
حظيت الحركة الوطنيَّة الأردنِّيَّة في ذلك الوقت ومن منطلق الشعور بالمسؤولية بدعم كبير من الشَّعب، حيث نظَّمت عدَّة مظاهرات وفعَّاليَّات سياسيَّة، كان أبرزها تلك الَّتي حدثت في عام 1945، والَّتي عرفت بانتفاضة الشَّعب الأردنِّيِّ. كلُّ هذه الجهود أسفرت عن إعلان الاستقلال في عام 1946، لتبدأ بعدها جهود دعم البناء الدِّيمقراطيِّ وتأسيس مؤسَّسات الدَّولة.
نحتفل كلُّ عام بهذا اليوم، تكريمًا لتاريخ الوطن وتضحيات لأبطال الَّذين ساهموا في تحقيق هذا الإنجاز الجليل الَّذي لا يزال في ذاكرة كلِّ أرني بكلِّ فخر واعتزاز. في هذه المناسبة الوطنيَّة يتمُّ تنظيم مجموعة من الفعَّاليَّات الرَّسميَّة الَّتي تعكس الفخر والاعتزاز بإنجازات الوطن. حيث تعد هذه الاحتفالات مناسبةً وطنيَّةً مهمَّةً تحتشد فيها الحكومة والشَّعب يدًا بيد للاحتفاء بتاريخ الأردنِّ العريق ورموزه. كما ويقام في هذه الاحتفالات مجموعةً من العروض العسكريَّة الَّتي تعكس قوَّة وقدرة قوَّاتنا المسلَّحة الأردنِّيَّة والأجهزة الأمنيَّة بالمحافظة على أمن واستقرار البلاد وراحة العباد، حيث تقام استعراضات عسكريَّة في مواقع رئيسيَّة في العاصمة والأقاليم. إلى جانب العروض العسكريَّة، يتمَّ تنظيم فعَّاليَّات ثقافيَّة متنوِّعة تستهدف تعزيز الوعي والثَّقافة الوطنيَّة. إذ تشمل هذه الفعَّاليَّات معارض فنِّيَّة تقام في مختلف مدن المملكة، يعرض الفنَّانون المحلِّيُّون خلالها أعمالهم الَّتي تعكس الهويَّة الأردنِّيَّة. على اعتبار أنَّ الفنَّ يعد وسيلةً فعَّالةً لتجسيد القيم الوطنيَّة والاعتزاز بالثَّقافة والتُّراث، ممَّا يجعل هذه الفعَّاليَّات جزءًا أساسيًّا من الاحتفال بعيد الاستقلال. تساهم الخطابات الرَّسميَّة من القيادة السِّياسيَّة في هذه المناسبة في تعزيز روح الوحدة والانتماء بين أفراد المجتمع. تتحدَّث هذه الخطابات عادةً عن الإنجازات الَّتي حقَّقتها الأردنُّ وضرورة استمرار العمل نحو تحقيق التَّنمية والتَّقدُّم. مع التَّأكيد على أهمِّيَّة السَّلام والاستقرار كقيمة أساسيَّة تميَّز المجتمع الأردنِّيُّ. في ختام الاحتفالات، ترفع الأعلام وتعزف الأناشيد الوطنيَّة، ممَّا يذكر الجميع بجذورهم وأهمِّيَّة التَّضحية والعمل من أجل الوطن. كلُّ هذه الفعَّاليَّات والاحتفالات تبرهن أنَّ عيد الاستقلال ليس مجرَّد احتفال، بل هو تجسيدًا لهويَّتنا وتطلُّعاتنا نحو مستقبل مشرق بإذن اللَّه.
جلالة الملك عبد اللَّه الثَّاني الَّذي يعتبر رمزًا وطنيًّا بارزًا وقائدًا فذًّا، يلعب دورًا محوريًّا في الاحتفالات بعيد الاستقلال، أذ يؤكِّدً جلالته دائمًا عن التزامه العميق بالوطن وإرثه التَّاريخيِّ. وتجديد الولاء والانتماء للأردنِّ والدِّفاع عن القضايا العربيَّة العادلة وفي مقدِّمتها القضيَّة الفلسطينيَّة قضيَّة العرب الأولى، فضلاً عن تعزيز روح الفخر بين المواطنين. يحرص جلالته كلَّ عام على حضور الفعَّاليَّات الَّتي تعكس تاريخ الأردنِّ وماضيه المشرق، بالعزَّة والفخر. كمًّا ويعبِّر جلالته خلال الاحتفالات بعيد الاستقلال عن تقديره والشَّعب الأردنِّيُّ لشهداء الوطن ويدعو إلى التَّمسُّك بقيم الوحدة والكرامة. كما يرسل جلالته رسائل تعكس أهمِّيَّة التَّعاون بين القيادة والشَّعب لضمان مستقبل مشرق. ويلقي جلالته الضَّوء على التَّحدِّيات الَّتي واجهها الأردنُّ، ورؤية التَّنمية المستدامة الَّتي يسعى لتحقيقها. بالإضافة إلى ذلك، يبرز جلالة الملك في خطاباته خلال الاحتفالات التزام المملكة بمبادئ الدِّيمقراطيَّة وحقوق الإنسان، ممَّا يعكس تطلُّعات الشَّعب الأردنِّيِّ. الذي أستطاع عندما توحَّدت جهوده التَّغلُّب على التَّحدِّيات والصُّعوبات، التي برزت أهمِّيَّتها في مواجهة الأزمات.
هذه التَّجربة تعكس ضرورة بناء جسور من التَّعاون بين الفئات المختلفة داخل المجتمع، بحيث يتمكَّن الجميع من المساهمة في تحقيق أهداف وطنيَّة مشتركة. في مقدِّمتها تأتي أهمِّيَّة التَّضامن الاجتماعيِّ، حيث يعمل الأفراد على مدِّ يد العون لبعضهم البعض، ممَّا يسهم في تعزيز الرُّوح الوطنيَّة. يعتبر الوعي الوطنيُّ والمواطنة من الدُّروس الأساسيَّة المستفادة من فترة الاستقلال. حيث أعطى الاستقلال الأردنِّيُّ دفعةً قويَّةً لتعزيز الهويَّة الوطنيَّة، ممَّا جعل جميع الأفراد أكثر وأقوى ارتباطًا بالوطن ورموزه.
الاحتفال بعيد الاستقلال ال 79 يجسِّد أكثر من مجرَّد مناسبة سنويَّة؛ إنَّه رمز العزيمة والحرِّيَّة الَّذي يذكر الجميع بأهمِّيَّة الولاء والانتماء للوطن الَّذي نؤكِّد جميعًا أنَّه ليس مجرَّد أرض نعيش عليها، بل هو روح تنبض في قلوبنا، وتعكس قيمنا وتراثنا وثقافتنا. ممَّا يتيح أمامنا فرصة لتعزيز روح الوحدة بين الجميع، لتحقيق أهداف مشتركة. يجب أن تكون دافعًا لنا لبناء مجتمع يسوده السَّلام والتَّسامح، الذي يعكس مكانة هذا الوطن العزيز. وبالتَّالي، فإنَّ الاحتفالات ليست مجرَّد تقليد، بل هي مشروع وطنيّ يتطلَّب منَّا جميعًا أن نعمل بجدَّ لنصون استقلالنا ونروي قصَّة استقلال هذا الوطن للأجيال القادمة.

