قبل أيام، شاركت في المنتدى الدولي الذي عقدته جامعة ADA في العاصمة الأذرية باكو، حيث شارك أكثر من 90 أكاديمياً ومختصاً في العلاقات الدولية وصنّاع قرار، تحت عنوان مواجهة النظام الدولي الجديد.
أذربيجان، هذا البلد المهم في منطقة آسيا الوسطى وجنوب القوقاز، يحظى بموقع ومكانة استراتيجية هامة، إضافة إلى ثروات طبيعية، استطاعت قيادته توظيفها في سياق تطور تنموي لافت ومحط إعجاب.
ما لفت نظري هناك هو تلك الحميمية والإعجاب من كثير ممن قابلتهم وتشاركت معهم النقاش تجاه الأردن وجلالة الملك عبدالله الثاني، كنموذج قيادي إقليمي وعالمي، يتمتع برؤية عقلانية، اعتدالية، وحداثية. وأجزم أن النظرة الثاقبة لجلالة الملك منذ البداية، حين أسس وعزّز هذه العلاقات مع دول آسيا الوسطى، وبالذات مع أذربيجان، كانت حجر الأساس لهذه الشراكة. فقد نُسجت هذه العلاقة الثنائية وطُوّرت من قِبل كل من جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأذري حيدر علييف حتى أصبحت نموذجاً يُحتذى به.
في هذا المنتدى، كانت هناك جلسة مخصصة بعنوان دور دول حجر الزاوية في الأمن والتنمية الإقليمية، حيث كانت مشاركتي تحت عنوان: الأردن دولة حجر الزاوية في السياسة الدولية للشرق الأوسط. تناولتُ فيها كيف تمكن الأردن من أن ينحت لنفسه مكانة إقليمية ودولية متميزة في ظل بيئة توصف بأنها من بين الأصعب إقليمياً مقارنة ببيئات أخرى.
والسؤال الذي يُطرح دائماً في مثل هذه المنتديات، ومنها منتدى باكو، هو: كيف استطاعت دولة ذات إمكانات طبيعية محدودة وبيئة ضاغطة كالأردن أن تصبح دولة حجر الزاوية إقليمياً؟
النقاش يتمحور حول الكثير من النقاط أشهرها: هناك مدرسة حكم مستقرة وثابتة، بدأت من الملك المؤسس عبدالله الأول، وصولاً إلى جلالة الملك عبدالله الثاني، المعزز والمُحدث، وهي مدرسة قائمة على المنطق، والرؤية العقلانية، والاعتدال، والوسطية.
وقد تمكنت هذه المدرسة من تأسيس وتطوير دبلوماسية عملية وفعالة، يشهد لها إقليمياً وعالمياً، تتبع منهج الخيار العقلاني والواقعي، من خلال تقييم دقيق للأوضاع، واهتمام واشتباك مع القضايا ذات الأهمية الاستراتيجية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
كما يتميز الأردن برأسماله البشري، والمتمثل في المواطن الأردني الواعي والمتعلم، الذي يتمتع بنوعية تجعله عنصراً فاعلاً من عناصر قوة الدولة. وتبرز أيضاً المؤسسة العسكرية والأمنية الأردنية، ذات المهنية العالية والمشهود لها وطنياً وإقليمياً ودولياً.
بالإضافة إلى ذلك، هناك شبكة العلاقات الدولية التي نسجها الأردن مع العديد من دول العالم، خصوصاً في محيطه الإقليمي العربي، ومع الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تتسم بطبيعة استراتيجية، إلى جانب شراكاته مع العديد من الهياكل الدولية والإقليمية ذات الأبعاد المختلفة. هنالك ايضا مجموعة الادوار التي نحتها الأردن واشتهر بها سواء في السياق الإنساني، الأمني والسياسي، حيث استطاعت الدولة الأردنية خلق مصالح ثابتة في ضرورة وجوديتها إقليميا وعالميا وقدرة عالية على التكيف واستجابة لمتغيرات وديناميكيات السياسة الدولية للشرق الأوسط مما مكنها ان تحتل مكانة مهمة في أي تطورات وتغيرات إقليمية لدرجة أنها أصبحت توصف بدولة الضرورة الإقليمية وبالتالي حجر الزاوية الذي لا يمكن الاستغناء عنه ولا مجال الا للتعاطي معه لضمان أي استقرار إقليمي فالمملكة، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، هي جزء من الحل ولم تكن أبداً جزءاً من المشكلة.
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية – الجامعة الأردنية