Home اختيارات رئيس التحريرالتحديث السياسي مرة أخرى

التحديث السياسي مرة أخرى

د. أمجد أبو جري آل خطاب

by editor
14.3K views
A+A-
Reset

من المعروف أن التنمية السياسية تتطور بالتراكم، فمنذ أن تسلم جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية وهو يقود عملية التحديث السياسي بخطوات متدرجة تهدف إلى تعزيز المشاركة الشعبية وترسيخ الحياة الحزبية في الاردن. حيث كان آخر تطور بارز في الحياة السياسية والحزبية في الأردن هو مخرجات لجنة التحديث السياسي، والتي شكلت مدخلاً جديداً للمئوية الثانية للوطن. فقد تم انجاز التشريعات الناظمة للعمل الحزبي، وصدر قانون انتخاب عصري وحديث لاقى ترحيباً من مختلف أطياف المجتمع السياسي، وذلك باعتباره خطوة نحو ترسيخ المشاركة الشعبية وتعزيز التمثيل البرامجي. وعليه، فقد انتقلت الكرة إلى ملعب الأحزاب والكتل النيابية الحزبية، خصوصاً مع الاستحقاق الانتخابي لمجلس النواب عام 2024، والذي يعد اختباراً حقيقياً لقدرة الأحزاب على ترجمة التشريعات إلى ممارسات ملموسة.

ومع ذلك فلم يلحظ المراقبون التحول المأمول في الأداء النيابي الحزبي، سواء على الصعيد البرامجي أو السياسي أو الرقابي أو حتى التشريعي، إذ ما زال النواب والكتل يعملون ضمن جزر منفصلة باستثناء التوافقات المرتبطة بانتخابات المكتب الدائم للمجلس. وقد برز هذا الغياب بشكل أوضح في أحداث سياسية كبرى، مثل عودة جلالة الملك من الولايات المتحدة، حيث لم يسمع صوت فاعل للأحزاب داخل البرلمان، فيما كان الحراك العشائري والمناطقي هو الأبرز والأكثر حضوراً. وكذلك الحال مع التصريحات الاستفزازية لليمين الصهيوني تجاه الأردن، حيث بدا صوت الأحزاب خافتاً لا يرقى لمستوى التحديات.

هذا الواقع يعكس فجوة بين النصوص الدستورية والتشريعات الحديثة من جهة وبين التطبيق العملي على أرض الواقع من جهة أخرى. فالحياة الحزبية لا تبنى فقط بالقوانين، بل تحتاج إلى ثقافة سياسية راسخة وبرامج واقعية تقنع الناخب الأردني بأن الأحزاب قادرة على حمل همومه اليومية والتعبير عن مصالحه الوطنية. كما أن ضعف البنية التنظيمية لبعض الأحزاب وغياب العمل الجماعي الفاعل يزيد من إضعاف صورتها أمام الشارع.

وهنا تبرز تساؤلات جوهرية: هل أن المجتمع السياسي الأردني لم ينضج بعد ليواكب متطلبات المرحلة؟ أم أن هناك ثغرات في بعض ما تم اقراره دستورياً؟ أم أن منظومة التحديث قد فشلت في تحقيق أهدافها؟ وهل تحتاج التجربة الحزبية إلى مزيد من الوقت كي تترسخ أم إلى مراجعة تعيد ضبط الإيقاع؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة ستحدد مستقبل الحياة السياسية في الأردن، وما إذا كان مشروع التحديث سيبقى مجرد نصوص وتشريعات، أم سيتحول إلى ممارسة سياسية راسخة تعكس طموح الأردنيين في بناء مستقبلهم.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00