Home اختيارات رئيس التحريرالتهديدات التي تصنع الفرص

التهديدات التي تصنع الفرص

مالك العثامنة

by editor
16.6K views
A+A-
Reset

يقف الأردن اليوم أمام مشهد مزدوج تتقاطع فيه التهديدات مع الفرص، فحدوده الشمالية المضطربة تفرض تحديا يوميا، وفي داخله بطء في وتيرة الإصلاحات رغم كل ما تحقق من خطوات مهمة في السنوات الأخيرة، غير أن المعادلة الأساسية صارت واضحة: الأمن والاقتصاد لم يعودا مسارين منفصلين، بل رهان واحد على بقاء الدولة قوية وقادرة، والخطاب الرسمي وإن بدا في أحيان كثيرة أكبر من التنفيذ، إلا أن ما يتم إنجازه يحتاج إلى رواية أوسع تشرح للمواطن وتطمئنه بأنه شريك في رحلة التغيير.

في الشمال تبقى السويداء جرحا مفتوحا يتسرب منه الخطر عبر شبكات التهريب، لكن الرد الأردني تطور إلى مزيج من الحزم والحسابات الدقيقة، وهو ما أبقى الحدود تحت السيطرة رغم تعقيد المشهد السوري، وما يزال الأمر يتطلب شراكات إقليمية أعمق لمعالجة جذور الأزمة، لكن ما تحقق حتى الآن يثبت أن الأردن قادر على المناورة وحماية أمنه ضمن ظروف بالغة الصعوبة.

أما في الغرب فالتحدي الإسرائيلي في الضفة الغربية يتصاعد باستيطان وقمع يهددان بانفجار، غير أن الموقف الأردني ظل ثابتا عند حدود الدبلوماسية والتحذير، وهو ما يحافظ على مساحة الحركة السياسية ويدعم صمود الفلسطينيين، في انتظار ظروف دولية أكثر ملاءمة تجعل الصوت الأردني أكثر تأثيرا، فالضفة ليست قضية خارجية فحسب بل انعكاس مباشر على استقرار الداخل الأردني.

داخليا، جاءت المرحلة الثانية من التحديث الاقتصادي كخطة واقعية تستند إلى مشروعات قابلة للتنفيذ، صحيح أن البيروقراطية ما تزال عائقا يبطئ المسار، لكن الإصرار على المتابعة وتكثيف القرارات الجريئة كفيل بتحويل الأرقام إلى إنجازات ملموسة، فالمواطن ينتظر نتائج عملية في التشغيل والنمو، وهذه المرحلة مرشحة أن تكون بداية التحول إن تم اختصار الطريق بين المستثمر والمشروع.

الفرص الإقليمية حول الأردن هائلة، من طفرة الإنشاءات في السعودية إلى مشاريع إعادة الإعمار في العراق وسورية، وكلها ميادين يمكن للأردن أن يكون شريكا أساسيا فيها إذا أحسن استثمار موقعه وخبراته، والتحدي هنا ليس في غياب الفرص بل في سرعة الاستجابة لها، إذ لم يعد الوقت يحتمل البطء في الإجراءات أو التردد في القرارات.

الإصلاح المؤسسي بدوره ليس فكرة بعيدة، وتجربة البريد الأردني تقدم مثالا مهما على أن الإرادة والمتابعة يمكن أن تحولا مؤسسة مثقلة بالخسائر إلى مشروع ناجح يفتح أبوابا جديدة، وهذا ما يعزز القناعة بأن التعميم ممكن إذا تحولت شركات الدولة إلى منصات كفاءة حقيقية تعكس صورة الثقة وتبنيها من جديد.

الخلاصة أن الأردن يمتلك عناصر القوة الكافية لعبور المرحلة، وإذا كان التحدي مضاعفا بين الأمن والاقتصاد، فإن الفرصة كذلك مضاعفة إذا ما توفرت الجرأة على الفعل والاستثمار في الثقة، فالمستقبل لن يكون اختبارا لصبر الأردنيين فقط، بل مساحة لإثبات أن هذا البلد قادر على تحويل التهديدات إلى فرص، وأن العام المقبل يمكن أن يكون عام نمو إذا ما اقترن القول بالفعل.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00