Home اختيارات رئيس التحريرالحياة بعد غوغل

الحياة بعد غوغل

صالح سليم الحموري

by editor
72.2K views
A+A-
Reset

هل نحن فعلاً أحرار في هذا الفضاء الرقمي الذي يبدو بلا حدود؟ هل جوجل التي بدأت كأداة لمعرفة العالم أصبحت الآن الأداة التي تعرف كل شيء عنا؟ أسئلة كهذه تلاحقنا بينما نعيش في ظلال منصات ضخمة تبدو كأنها تسيطر على حياتنا اليومية… وهنا يبدأ “جورج غيلدر” في كتابه الجديد “الحياة بعد غوغل والذي لخصته “إدارة.كم” بطرح أطروحة صادمة :الإنترنت كما نعرفه اليوم… مريض. بل يحتضر.

غيلدر لا يتحدث عن نهاية التكنولوجيا، بل عن نهاية النموذج الذي تمثّله جوجل. نموذج “اللامجانية”، حيث المستخدم هو السلعة، والبيانات هي البضاعة. حيث تُعطى لك كل الخدمات بلا مقابل، لكن الثمن الحقيقي هو خصوصيتك، وحريتك، وهويتك الرقمية. جوجل، كما يصورها غيلدر، هي تجسيد لعصر مركزي يعتمد على “السحابة”، حيث تُسحب القوة من المستخدم لتُمنح للخوارزميات، ومن المؤسسات إلى الشركات العملاقة.

لكن، الحياة بعد جوجل؟ إنها ليست كارثة… بل فرصة. الفرصة التي يُبشر بها غيلدر تتمثل في ثورة جديدة قادمة، يقودها “البلوك تشين” نعم، هذه التقنية التي ولدت من رحم العملات المشفّرة، تحمل بذور تفكيك الهيمنة الرقمية. بدلًا من الثقة العمياء في شركات مثل جوجل، يقترح غيلدر نظامًا جديدًا قائمًا على “الثقة الموزعة”، حيث المستخدم يمتلك بياناته، ويستعيد حريته، ويتقاضى مقابل مشاركته الرقمية.

في العالم الجديد الذي يرسمه غيلدر، ستكون هناك بنية رقمية لامركزية. لن تحتاج إلى المرور من خلال “العملاق” لتصل إلى المعلومة أو الخدمة. ستكون المعاملات أكثر أمنًا، وستزول الحاجة إلى كلمات المرور، حيث سيحل محلها نظام هوية رقمية مشفّر وآمن… وهذا يعني نهاية الإعلانات المتعقبة لك، ونهاية السرقة الخفية لهويتك، وبداية مرحلة جديدة: “الإنترنت المُملوك من الناس، لا عليهم.”

وربما الأهم من ذلك، هو أن هذه الثورة الرقمية الجديدة ستُعيد تعريف الاقتصاد نفسه. فكما كانت جوجل تمثل اقتصاد البيانات المجانية، سيكون مستقبل الإنترنت قائمًا على “اقتصاد الانتباه العادل”، حيث يُكافأ كل من يشارك بمحتوى أو قيمة، لا أن يتم استغلاله.

جيلدر لا يهاجم غوغل بدافع الحنين، بل بدافع الرغبة في الإصلاح. فهو لا يعارض التقنية، بل يدعو لتصحيح مسارها، وتحويلها من أداة مراقبة إلى منصة تمكين. والحياة بعد غوغل ليست صحراء من الفوضى، بل واحة من الإمكانيات، بشرط أن نمتلك الشجاعة لنتخلى عن وهم الراحة… ونسعى نحو حرية حقيقية في عالم رقمي جديد.
ربما حان الوقت لنفكر: إذا كانت جوجل تعرف كل شيء عنا، فماذا نعرف نحن عن غوغل؟ والأهم… ماذا نعرف عن أنفسنا دونها؟

 

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00