عبد الرؤوف الروابدة المُدجَّج بالرِفعة الوطنيَّة، والصَّراحة اللا متناهية في توصيف وتوظيف المشهد الوطني بما يعكس نُبل الأردنيين، وهويتهم الوطنيَّة الأردنيَّة التي لا تلفظ وافدٍ أو مُستجير، ولا تُنكر مخلصاً للدولة أو هابَّاً للدفاع عن الموقف الأردني الشَّريف في كل قضايا العروبة والإسلام، ورسالة الهاشميين القائمة على الوحدة والحريَّة والانعتاق من صلف الاحتلال والطغيان وربما في حالات كثيرة الإنكار والنكران المُتخم بالخطيئة.
ملحم التل كان من أوائل المُنافحين عن هويَّة الدَّولة والتقائها مع فكر الهاشميين، وفيصل الفايز قالها بوضوح إبان رئاسته للحكومة، وعبد الهادي المجالي حاول تقديم مُقاربة وطنيّة في صناعة الشَّخصيّة الوطنيَّة الأردنيَّة المصبوغة بلون القمح الأردني، والموسومة بعطر دمِّ الشُّهداء وعرق البُناة الأوائل، صحيح أن لكل واحد منهم لغته وأسلوبه ونهجه، ولكن الروابدة كان الأكثر اشتباكاً وجرأة في تقديم السَّرديَّة الأردنيَّة دون وجلٍ، والأعرف بسبُل التَّوصيف للولوج إلى سمو الهدف والنَّوايا بعيداً عن المسالك اللفظيَّة الوعرة، والأخبر بصنوف رجال الفكر والسياسة ومنطلقاتهم ومرجعياتهم.
لسنا قلقين في تقديم سرديتنا التَّأريخيَّة والسَّياسيّة بعيداً عن محاولات الفهم والإفهام الخاطئ، ولسنا مُضطرين بعد اليوم إلى طلب صكوك فهْم أمين، وعذر مكين من أحد، ولعلنا اضطررنا الى مُغادرة الرُّعب الخجول في التَّعبير عن هويتنا الوطنيَّة الأردنيَّة التي لا تُقصي مخلص صادق مؤمن بالدولة والهويَّة والرِّسالة، ولا تُنكر أحداً صان الصَّحن والبئر، وآمن بمشروع الدولة الأردنيَّة بعيداً عن الإزدواجيَّة والمظلوميَّة والمزاعم الجوفاء، وغادر مساحات النُّكران إلى حيث لا حيث ولا عنوان.
الروابدة مارس أساليب الدفاع عن هويَّة الدَّولة والشَّعب بفكاهة مؤنسة حملت في طيَّاتها كلَّ مضامين الإصرار والصَّلابة في الدِّفاع المستميت عن سرديَّة الدَّولة وهويتها، وهو فارس الكلمة الأردنيَّة الرَّاشدة المُمسكة بوثاقها العتيق، ورائد الجرأة الحذرة المُتقنة لدبلوماسيَّة الصَّراحة التي لا تغضب أحداً أو تؤذي نواياه السَّمحة، وهو فوق كل هذا وذاك مؤمن بقدسيَّة التُّراب الأردني العروبي الذي يحوي عمالقة الحُلم الأردني الشَّريف، وعلى رأسهم الملك المؤسس والحسين الباني وواضع الدستور طيب الله ثراهم.
ميزة الروابدة تكمن في احتراف صياغة السَّرديَّة الوطنيَّة الموغلة في الأفق القومي عندما يتعلق الأمر بالالتزام العروبي، وفحلٌ في الصَّراحة العنيدة القاسيَّة والواضحة المُدجَّجة بالشَّواهد والأدلة والتَّضحيات عندما يواجه صلف الإلغاء، ولعل محاضرته القيَّمة المؤهلة لأن تكون خطاباً لحُراس الهويَّة من جمهور المحافظين اكثر من مجرد حوار، وامتلاكه ناصية اللغة وتطويعها بدهاء ابداع يليق بهذا الحوراني الوقور بحضوره المَهيب؛ الاّ ان تقريعهُ المُغلّف بأدبه الجمّ لدُعاة الفرقة والمُظلومية المقيته بلسان الوطني الواثق، والعروبي المؤمن كافٍ لأن يكون مادة للمراجعة الوطنيَّة بين النُّخب الوطنيَّة والسياسيَّة، وقادة الفكر والرأي.