Home أخبار منوعةالسبب الأول في ترهّل منظومة النقل والمرور: غياب دور الجامعات 12

السبب الأول في ترهّل منظومة النقل والمرور: غياب دور الجامعات 12

د. نضال القطامين

by editor
19.9K views
A+A-
Reset

ليست مشاكل النقل والمرور والسلامة المرورية في بلداننا وليدة اليوم، ولا هي فقط حصيلة أخطاء الأفراد، ولا حتى فقط نتيجة ضعف القوانين أو تراخي تطبيقها. الحقيقة المؤلمة أن الخلل يبدأ أعمق بكثير، يبدأ من غياب التخصصات الدقيقة، ومن غياب العقل العلمي المتفاعل مع هذه القضايا في صميمها.

في العالم المتقدم، تشكل أقسام الهندسة المدنية في كليات الهندسة الحاضنة الطبيعية لهذه العلوم: علوم النقل، وهندسة المرور، والسلامة المرورية. هناك، لا تُدرّس هذه المواد كإضافات جانبية، بل تُدمج في صلب برامج البكالوريوس، وتمتد عبر الماجستير والدكتوراه كتخصصات دقيقة متكاملة. يُدرّس الطلبة التخطيط الحضري، دور المركبة والطريق ومستخدم الطريق (السائق، الراكب، الماشي)، علاقة كل ذلك ببيئة الطريق ولياقته، بل وتُربط هذه المفاهيم بعمق مع هندسة التشريعات، ودور القانون، وآليات الردع، وثقافة المجتمع، وتحليل الحوادث، وحتى تصميم المنظومات الذكية لإدارة الحركة.

أما في جامعاتنا، فما تزال هذه العلوم تُحبس في القاعات، بلا مشاريع تخرج مرتبطة بالميدان، بلا أبحاث تطبيقية تعالج مشاكل المجتمع، بلا برامج دراسات عليا تخرج قادة علميين حقيقيين. أما أساتذة الهندسة المدنية، فغيابهم عن الساحة العامة، وعن تقديم حلول واقعية، وعن التعاون مع البلديات والوزارات والمؤسسات ذات الصلة، يُفرّغ الجامعات من رسالتها، ويترك المجتمع بلا كوادر مؤهلة، وبلا جهة علمية تدير النقاش الوطني كما يجب.

وما يزيد الطين بلة أن التنسيق بين الجهات المسؤولة عن شبكة الطرق — أفقياً فيما بينها، وعموديًا داخل المؤسسة الواحدة — شبه غائب، فلا توجد رؤية شاملة ولا قيادة علمية تضمن خروج هذه المنظومة من أزمتها.

في المقابل، على أصحاب القرار في الوزارات والبلديات والمؤسسات المسؤولة عن شبكة الطرق أن يدركوا، بلا تأخير، حاجتهم الملحة إلى التواصل مع الجامعات، والتشاور الجاد لتخريج العدد الكافي من المختصين والفنيين، وبصورة مستمرة.

وفق المعايير الدولية، نحن بحاجة إلى ما لا يقل عن 20 إلى 30 مهندسًا ومختصًا فنيًا بالنقل وهندسة المرور والسلامة المرورية لكل 100,000 نسمة لضمان شبكة نقل آمنة. أي، في الحالة الأردنية، ما يزيد عن 2000–3000 متخصص. أما الواقع؟ لا يتجاوز عدد الموجودين عدد أصابع اليد، والأدهى أن من يقومون بأدوارهم حاليًا هم من تخصصات بعيدة أصلًا عن هذه العلوم.

ولا يجوز أن تُبرر الجامعات هذا الفراغ بحجة أن السوق لا يوفر وظائف كافية. الحقيقة معكوسة: لو توفرت هذه الكفاءات، لفرضت حضورها، ولاستطاعت أن تشكل قوى علمية ضاغطة، من خلال الجمعيات الهندسية والجمعيات التطوعية والنقابات، والمكاتب الاستشارية، ومراكز الأبحاث، وحتى عبر الإعلام والرأي العام. السوق الأردني متعطش لهؤلاء، وسوق العمل الخليجي مشرع الأبواب دومًا أمام المهندسين المتميزين، خاصة في تخصصات النقل والسلامة، التي تتضاعف الحاجة إليها مع توسع المدن والمشاريع الكبرى.

إن غياب هذا التكامل المؤسسي والعلمي في بلدنا هو بيت القصيد، وجوهر المشكلة. فمن دون منظومة علمية متكاملة، ومن دون جامعات تنهض بدورها الحقيقي، ومن دون أساتذة يترجمون علمهم إلى واقع، ومن دون إدراك حقيقي لدى أصحاب القرار بأن شبكة الطرق تحتاج إلى عقل هندسي متخصص لا إلى حلول ارتجالية، ستبقى مشاكلنا تتفاقم، وستظل حلولنا سطحية، وسندور في حلقة مفرغة لا تلد إلا المزيد من الأزمات.

وأشير هنا إلى أن ما ورد أعلاه ليس إلا خلاصة سريعة على عجالة، دون الدخول في كل التفاصيل التقنية والفنية الدقيقة، ودون استعراض الأمثلة الميدانية التي تزيد الصورة وضوحًا وفداحة. وللحديث بقية..

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00