Home اختيارات رئيس التحريرالسلامة المرورية وإهمال تحليل 95% من الحوادث – جريمة إحصائية 19

السلامة المرورية وإهمال تحليل 95% من الحوادث – جريمة إحصائية 19

د. نضال القطامين

by editor
19.1K views
A+A-
Reset

في عام 2024 سُجِّل في الأردن 190,175 حادثًا مروريًا، لكن تقديرات أكاديمية تشير إلى أن هناك ما لا يقل عن 30% إضافية من الحوادث لا تُسجَّل، لترتفع الحصيلة الفعلية إلى نحو ربع مليون حادث سنويًا. ورغم هذا العدد الهائل، فإن التحليل الهندسي والقضائي يقتصر على 11,950 حادث إصابة بشرية فقط، أي ما يعادل 5% من مجموع الحوادث، بينما تُهمل 95% من الحوادث التي تحمل في تفاصيلها مؤشرات أساسية على الخلل في الطريق أو المركبة أو الاثنين معًا. هذه فجوة إحصائية جسيمة تنعكس مباشرة على تفسير حالة الترهل المزمنة في واقع الطرق، وتساهم في تردي أوضاع السلامة المرورية وصولًا إلى غياب المسؤوليات والمساءلة.

من بين الحوادث التي شملها التحليل، نُسبت 223 حادثة فقط إلى عيوب في الطريق (2% من حوادث الإصابات) و118 حادثة إلى عيوب في المركبة (1%). وعلى إجمالي الحوادث الفعلي، لا تتجاوز النسب 0.1% و0.06% على التوالي. وفي المقابل، تتراوح هذه النسب في الدول المتقدمة بين 12–20% لعيوب الطريق و5–8% لعيوب المركبة، إضافة إلى فئة ثالثة تمثل 4–7% من الحوادث الناتجة عن مسؤولية مشتركة بين الطريق والمركبة، وهي غائبة تمامًا عن الإحصاءات الأردنية.

ورغم محدودية قاعدة البيانات الحالية، تكشف الأرقام أن وزارة الإدارة المحلية تسجل النسبة الأكبر من الحوادث بنسبة 48.6%، تليها أمانة عمان بنسبة 42.8%، بينما لا تتجاوز حصة وزارة الأشغال العامة 8.6%. ورغم قلة الحوادث في نطاق وزارة الأشغال، فإن حدة الحوادث لديها — أي نسبة الوفيات إلى مجموع الإصابات — تبلغ 6%، وهي أكثر من ثلاثة أضعاف المعدل العالمي المقبول (1.5–2%) للطرق خارج المدن، ما يعكس خطورة هذه الشبكة.

أما وفيات المشاة، فتبلغ نسبتها 28.4% من إجمالي وفيات الطرق في وزارة الإدارة المحلية، و23% في أمانة عمان، وهي أضعاف المعدلات المسجلة في السويد وهولندا وبريطانيا (12–15%). وفي المقابل، تسجل وزارة الأشغال نسبة منخفضة لوفيات المشاة (5%) لكنها تتميز بحدة حادث مرتفعة، ما يعني أن الحوادث خارج المدن أقل عددًا لكنها أشد فتكًا.

هذه المؤشرات، حتى وإن كانت مستخلصة من 5% فقط من الحوادث، تمنح صورة نسبية عن تباين المخاطر بين شبكات الطرق المختلفة. لكن الاعتماد على هذه النسبة الضئيلة يعني أن ترتيب المواقع الخطرة قد يكون مضللًا، وأن أولويات المعالجة قد لا تُوجَّه إلى النقاط التي تمثل الخطر الأكبر فعليًا. ففي الدول المتقدمة، يتم تصنيف المواقع الخطرة عبر تحليل شامل لجميع الحوادث وربطها بعناصر الطريق وحالتها والحجم المروري وتوزيع المشاة، ما يتيح تصنيفًا دقيقًا يوجّه الموارد إلى المواقع ذات الأولوية القصوى، حتى وإن كان عدد الحوادث فيها أقل طالما أن حدتها أكبر.

إن تجاهل 95% من إجمالي الحوادث يحرم صانع القرار من هذه الرؤية الدقيقة، ويجعل الخطط معتمدة على قاعدة بيانات ناقصة لا تعكس الواقع الفعلي لشبكة الطرق. والأسوأ أن غياب الربط بين بيانات الحوادث وعناصر الطريق، وحالة البنية التحتية، والحجم المروري، وتوزيع المشاة، يجعل من المستحيل عمليًا الوصول إلى التصنيف الصحيح للمخاطر على مستوى المملكة.

هذه الاختلالات ليست وليدة اللحظة، بل هي تراكمات امتدت عبر عقود من الإهمال والقصور المؤسسي. وذكرها هنا ليس لإحراج أي جهة، بل للتأكيد على أن البدء الفوري في الحلول ضرورة وطنية، لأن استمرار الوضع الحالي يعني استمرار نزيف الأرواح والخسائر، في حين أن التحرك المبني على بيانات شاملة قادر على تحقيق نتائج ملموسة وسريعة.

إن تكامل دور المجلس الأعلى للسلامة المرورية في فرض الصلاحيات على جميع الجهات، مع تحرك نقابة المحامين لإنصاف المتضررين ومساءلة المقصرين، هو الطريق نحو بيئة مرورية آمنة، تحول السلامة من شعار إلى ممارسة عملية قائمة على المحاسبة والالتزام الهندسي…

 

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00