Home مقالات مختارةالسياحة الأردنية: ثروة وطنية تبحث عن إدارة جريئة

السياحة الأردنية: ثروة وطنية تبحث عن إدارة جريئة

by dina s
624 views
A+A-
Reset

بقلم: المهندس أحمد علي أحمد البو
المدير التنفيذي لصندوق التقاعد والتأمينات الاجتماعية – نقابة المهندسين الأردنيين
في زمن تتسابق فيه الدول إلى تنويع مصادر الدخل وتحفيز النمو عبر قطاعات مستدامة، يقف الأردن على عتبة فرصة حقيقية قلّ نظيرها في المنطقة: السياحة. لكن واقع هذا القطاع اليوم لا يعكس ما نمتلكه من مقومات استثنائية، بل يعكس غياب الإدارة الجريئة، والرؤية المتكاملة، والشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص.

أولاً: المشكلة ليست في المقومات… بل في الإدارة

الأردن يمتلك مزيجًا نادرًا من المقومات السياحية:
•تاريخ يمتد لآلاف السنين (البتراء، جرش، مأدبا، وادي رم).
•مواقع دينية مقدسة للمسيحيين والمسلمين.
•طبيعة متنوعة من البحر الميت إلى الصحراء والجبال.
•نظام طبي متقدم يجعل من الأردن وجهة علاجية إقليمية.
•استقرار سياسي وأمني نادر في محيط مضطرب.
لكن، رغم كل هذا، لم يتحول الأردن إلى وجهة سياحية عالمية بعد. السبب؟ غياب رؤية استراتيجية قابلة للتنفيذ، واستمرار الاعتماد على جهاز إداري تقليدي لا يمتلك أدوات الابتكار والسرعة المطلوبة في عالم السياحة الحديثة.

ثانيًا: هل تكفي وزارة السياحة؟

وزارة السياحة والآثار تقوم بدور مهم، لكنها محكومة بقيود البيروقراطية، وتفتقر إلى المرونة والتخصص. لهذا، فإن الحاجة باتت ملحّة لإنشاء:
“هيئة تنمية السياحة الأردنية”
هيئة مستقلة تعمل وفق قانون خاص، وتتمتع بصلاحيات تنفيذية ومرونة مالية وإدارية، وترتبط مباشرة برئاسة الوزراء.
مهام الهيئة المقترحة:
•إعداد وتنفيذ الخطط التسويقية العالمية.
•تطوير الخدمات والمواقع السياحية بالتعاون مع البلديات والمحافظات.
•إطلاق شراكات مع القطاع الخاص لتطوير وتشغيل المواقع (BOT / PPP).
•تدريب وتأهيل العاملين في القطاع.
•تنويع المنتج السياحي وتحديث البنية التحتية.
إنشاء هذه الهيئة لا يعني إلغاء الوزارة، بل إعادة توزيع الأدوار لتكون الوزارة مرجعية السياسات العامة، بينما تكون الهيئة الذراع التنفيذي والتطويري.

ثالثًا: النقل السياحي… البوابة الأولى والانطباع الأول

من أكبر نقاط الضعف في التجربة السياحية في الأردن اليوم: النقل.
فالسائح يعاني من غياب شبكة نقل متكاملة، قلة التنقل السلس بين المواقع، وتردي شكل ومواصفات مركبات التكسي والحافلات السياحية، وضعف التوجيه والإرشاد.
لا يمكن أن نتحدث عن بيئة سياحية راقية بدون شبكة مواصلات سياحية فعالة، حديثة، ومتصلة.
ما المطلوب؟
•تطوير وتوسيع شبكات النقل السياحي العام والخاص.
•إدخال النقل الذكي (الحجوزات الإلكترونية، تتبع الرحلات، توحيد التسعيرة).
•تحديث أسطول التكسي والحافلات السياحية بمواصفات عالمية.
•ترقيم الشوارع والمواقع السياحية ووضع لوحات إرشادية باللغات الأجنبية.
•إعفاءات جمركية وضريبية مشروطة لمشغلي النقل السياحي لتحديث المركبات.
•تأهيل السائقين سياحيًا عبر برامج تدريب إلزامية في اللغات والثقافة العامة.
قطاع النقل ليس خدمة فقط، بل عامل جذب أو طرد، وهو الذي يربط بين المقومات السياحية ليجعل منها “تجربة سياحية متكاملة”.

رابعًا: السياحة العلاجية: كنز مهمل

يمتلك الأردن أحد أقوى أنظمة الرعاية الصحية في الشرق الأوسط، ويزوره آلاف المرضى سنويًا من الدول العربية، لكن القطاع لا يزال يعمل بشكل منفصل عن السياحة.
نقترح إطلاق مشروع وطني تحت مظلة الهيئة المقترحة، بعنوان:
“السياحة العلاجية والسباحة العلاجية: شفاء من الطبيعة وطب من الخبرة”
ويتضمن:
•تطوير منتجعات البحر الميت، ماعين، الحمة، عفرا لتكون مراكز علاج طبيعي بمعايير دولية.
•عقد شراكات مع المستشفيات وشركات التأمين العالمية.
•تنظيم مؤتمرات طبية وسياحية دولية في الأردن.
•تسويق الأردن كوجهة للعلاج الجلدي والمفصلي والعصبي.
هنا تبرز أهمية السباحة العلاجية، خصوصًا في البحر الميت، الذي يُعد أخفض نقطة على سطح الأرض، وواحدًا من أكثر المواقع علاجًا للأمراض الجلدية والروماتيزمية في العالم.

نحتاج إلى تغيير جذري في فلسفة التسويق والتسعير

في عالم تتنافس فيه العواصم السياحية على السائح، لا يمكن للأردن أن يبقى بأسعار مرتفعة وخدمات متواضعة.
يجب وضع سياسة تسعير ذكية تشمل:
•عروض عائلية وسياحة داخلية بأسعار معقولة.
•دعم الفنادق والمرافق الصغيرة والمتوسطة.
•تسويق ذكي عبر المنصات الرقمية والمؤثرين العالميين.

سادسًا: أي سائح نريد؟

لسنا مضطرين لمنافسة الوجهات الرخيصة على الكم، بل يمكن أن ننافس على النوع.
السائح الذي نريده هو:
•الباحث عن المغامرة (وادي رم، المسارات الطبيعية).
•الباحث عن الثقافة والروحانية (مادبا، المغطس، البتراء).
•السائح العلاجي من دول الخليج وآسيا.
•السائح العائلي الباحث عن الأمن والتجربة الأصيلة.

أخيرًا: دعوة للتفكير بجرأة وتنفيذ بشجاعة
القطاع السياحي في الأردن ليس قطاعًا هامشيًا، بل رافعة اقتصادية حقيقية توفر فرص عمل وتنشط المحافظات وتُدخل عملات أجنبية وتعيد الاعتبار لهوية المكان.
لكن النهوض به لا يكون بالشعارات، بل بـ:
•قرارات سياسية جريئة.
•تمكين مؤسسي جديد (هيئة مستقلة).
•شراكات استراتيجية مع القطاع الخاص.
•تطوير النقل.
•تغيير الثقافة الإدارية والاحترافية في الخدمة.
الأردن يملك كل شيء… ما ينقصه فقط: إدارة تؤمن بالسياحة كقوة وطنية ناعمة، لا كقطاع موسمي.

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00