Home اختيارات رئيس التحرير«الشعوبية» في بلدنا تلفظ أنفاسها الأخيرة

«الشعوبية» في بلدنا تلفظ أنفاسها الأخيرة

حسين الرواشدة

by editor
67.2K views
A+A-
Reset

ما فعلته بعض التيارات السياسية في بلدنا، على امتداد العقود الماضية، وما تفعله بقايا فلولها الآن، يشبه -تماما – ما فعلت حركة «الشعوبية « التي ازدهرت إبان الدولة العباسية؛ لكي نفهم أكثر، استندت هذه الحركة إلى فكرة «التسوية» بين العرب وغيرهم من الأعراق والعجم، ثم تحولت إلى ذم الجنس العربي والانتقاص منه، كان موضوع الهوية حاضراً في المشهد، كما كان الصراع على الدولة وفي داخلها حاضراً أيضاً.

أترك للقارئ الكريم مهمة البحث في التاريخ ليطلع أكثر على نشأة «الشعوبيين» ورواياتهم، ومحاولات تسللهم إلى عصب الدولة ومفاصلها، ثم إخضاعها لأهدافهم، أكيد سيتفاجأ القارىء بأسماء عديدة ومعروفة لمفكرين وشعراء شاركوا في هذه الحركة؛ بعضهم باسم الدين أو الزندقة، وبعضهم اختبأ تحت عباءة السلطة وتبرطع في غنائمها وخيراتها، ولم يتردد عن دسّ السم لها من داخلها، المهم في المسألة أن هؤلاء الخليط التقوا على هدف واحد وهو تقويض الدولة والتشكيك بشرعيتها وتاريخها، وتشويه هويتها والانتقاص من إنجازاتها، وتحميلها مسؤولية ما حلّ من خراب بالأمة.

‏ما حدث في بلدنا، وربما في العديد من أقطارنا العربية، أن تيارات « شعوبية» توزعت بين القومية والأيدولوجيا الدينية، وظّفت قضايا عابرة للحدود، واستنجدت بنماذج أممية أو إقليمية، ثم تعمدت خلط الأوراق، فهي تارة تتحدث باسم الأمة، وتارة باسم العروبة، وثالثة باسم فلسطين، ورابعة باسم أنظمة الممانعة والصمود، تربط رمزيتها بزعامات تاريخية أو أنظمة تختلف في منطلقاتها، لكنها تتوحد على خطاب واحد، مرتكزاته: عدم الاعتراف بالدولة القُطرية التي تنتسب إليها أو تعيش فيها، بذريعة سايكس بيكو، عدم الانضواء تحت الهوية الوطنية، الإساءة للشخصية الوطنية وتجريحها وذم تاريخها والتشكيك فيه.

‏بصراحة أكثر، أي استدارة للداخل الأردني لا تأخذ بعين الاعتبار تجفيف ينابيع « الشعوبية» وكشف طبقة الشعوبيين، ودحض الأساطير التي استندوا إليها لترويج بضائعهم، سواء فيما يتعلق بالتاريخ أو الثقافة، الدين أو السياسة، ستبقى استدارة ناقصة أو سطحية، الحملة التي شهدناها ضد بلدنا، خلال الأشهر المنصرفة، منذ الحرب على غزة إلى الحرب على إيران، تؤكد ما قلناه سلفا، لقد استبسل «الشعوبيون» واستنفروا واحتشدوا لتشويه اي موقف وطني، وضرب اي إنجاز للدولة، هؤلاء لا يتحركون إلا في سياق واحد، وهو سياق الهدم لكل ما يتعارض مع أجنداتهم المغشوشة.

‏الدولة الأردنية تستند إلى شرعية دينية وتاريخية وإنسانية، والأردنيون أصلاء لهم هوية وطنية واحدة، لا يمكن لأحد أن يعزلهم عن أمتهم وقضاياها، ولا عن محيطهم الإنساني ولا عن عروبتهم، وفي موازاة ذلك لا يمكن لأحد أن يلحقهم بغيرهم، أو يذيبهم، أو يحملهم مسؤولية الخيبات والهزائم التي أصابت الأمة كلها.

‏الآن، يبدو أن موجة « الشعوبية» في بلدنا تلفظ أنفاسها الأخيرة، وبالتالي أصبح أمام الدولة، وأمام الأردنيين الذين يؤمنون ببلدهم وتاريخهم وإنجازاتهم وشرعية قيادتهم، فرصة كبيرة للتحرر من هذه الأفكار السامة، وإعادة الاعتبار إلى منطق الدولة الوطنية/ دولتهم، التي لا يمكن ان تخضع لشروط «الشعوبيين» وأهدافهم، تماماً كما فعل العباسيون قبل نحو 1275 عاماً.

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00