لا تزال الحدود الأردنية الشمالية تواجه أحد أخطر التحديات الأمنية؛ والمتمثلة في تدفّق المخدرات من الداخل السوري. الجيش العربي يقظ لأي محاولات من أجل المساس بأمن الأردن، ويخوض يومياً معارك صامتة في مواجهة محاولات التسلل والتهريب. أما الوقائع فأثبتت مراراً أن ما يحدث ليس مجرد نشاطات فردية أو عصابات صغيرة، بل عمليات منظمة تديرها شبكات مدعومة، في أوقات سابقة، من قوى ظلامية ونظام سابق استثمر في الفوضى ونشر الفساد والتطرف.
رغم تعقيدات المشهد السوري، هناك اليوم بوادر من دمشق لمحاولة السيطرة على هذا الملف الخطير. إلا أن حجم التحديات أمام السلطات السورية لا يزال كبيرا. ومن دون جهود حقيقية وحازمة في ضبط الحدود من الجانب السوري، يبقى الأردن وحده في ساحة المواجهة، يتحمل كلفة أمنية واقتصادية واجتماعية متنامية.
الأخطر أن هذه الشبكات لا تعمل بمعزل عن مصالح إقليمية أوسع. بل تشكل جزءا من أدوات النفوذ الإيراني في المنطقة، التي تحاول المرور عبر الأراضي السورية لتوزيع عبثها وأجنداتها في أكثر من اتجاه. فالمخدرات هنا ليست مجرد تجارة محرمة، بل سلاح موجه لزعزعة المجتمعات وضرب استقرار الدول.
وفي ظل هذه التحديات، تبقى الدولة الأردنية متمسكة بثوابتها، منفتحة على دعم استقرار سوريا – كما عبّر عن ذلك وزير الخارجية أيمن الصفدي غير مرة – عندما رحب بقرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب برفع بعض العقوبات عن سوريا في وقت سابق، وكما رحب بقرار العديد من دول الاتحاد الأوروبي برفع الحصار الذي أطبق على سوريا بفعل سياسات سابقة.
المطلوب اليوم من الحكومة السورية ليس مجرد تصريحات أو محاولات محدودة، بل استراتيجية شاملة لمكافحة التهريب والإرهاب معا، وبالتعاون مع الأردن. فالإرهاب وتجارة المخدرات يتحركان بأجندة واحدة، ويستغلان الوقت لتحقيق أهدافهما الإجرامية الخطيرة.
الأردنيون يثقون بقدرات جيشهم وأجهزتهم الأمنية، ويعلمون أن الوطن محصّن بإرادة قيادته ووعي شعبه. لكن هذا لا يعفي المجتمع الدولي أيضا من مسؤوليته في دعم جهود الأردن، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي في مواجهة هذا الخطر العابر للحدود.
المعركة ضد المخدرات القادمة من سوريا ليست معركة حدودية فقط، بل معركة كرامة وسيادة واستقرار. وعلى الجميع أن يدرك أن أمن الأردن هو ركيزة من ركائز أمن الإقليم برمته، وأن الصمت عن هذه الظاهرة هو تواطؤ غير مباشر مع محاولات تنفيذ مشروع الفوضى والانهيار الذي تريد إيران تصديره للعرب.
فقط من خلال التنسيق الوثيق، والإرادة السياسية الجادة، والاعتراف بأن أمن الأردن وسوريا مترابطان، يمكن التصدي لهذا الخطر المتفاقم وحماية مستقبل الأجيال القادمة من أن يتحولوا إلى ضحايا لتجارة المخدرات من فلول النظام السوري السابق.