لندن: كتب محمد الطّورة
تعتبر المرمطة والجرجرة من السلوكيات الشائعة في بعض الجهات الرسمية، حيث تعكس نمطاً من التفاعل غير المرضي بين هذه المؤسسات والمواطنين أو المراجعين. يُعرف مفهوم المرمطة بأنه السلوك الذي يتمثل في محاولة إساءة استخدام السلطة أو التأخير المتعمد لتمرير المعاملات، مما يؤدي إلى إحباط المواطنين وعدم رضاهم عن الخدمات المقدمة. من جهة أخرى، تشير الجرجره إلى تحميل المراجعين مسؤولية التأخير أو التعقيدات الإدارية، في حين أنهم لا يتحملون وزر ذلك.
تستخدم هذه الأساليب أحياناً في بعض المؤسسات كوسيلة للتهرب من المسؤوليات أو للسيطرة على سير العمليات الإدارية، مما قد يؤثر سلباً على ثقافة المؤسسة التنظيمية. فبدلاً من أن تكون العلاقة بين المواطن والجهة الرسمية قائمة على الثقة والاحترام المتبادل، تتحول إلى علاقة متوترة مليئة بالاستياء. كما أن هذه الممارسات يُنظر إليها على أنها تعكس ضعفاً في الأداء المؤسسي والتحديات التي تواجه تحسين الخدمة العامة.
على النقيض من ذلك، توجد ممارسات إيجابية تسمح للمراجعين بالحصول على التجربة المناسبة، مثل توفير معلومات واضحة وسهلة الفهم، وتقديم المساعدة بفعالية وسرعة. هذه الممارسات تعزز من جودة الخدمة وتعكس ثقافة تنظيمية قائمة على الاحترام والتعاون. لذلك، يجب التركيز على تعزيز الجوانب الإيجابية والابتعاد عن الأساليب السلبية مثل المرمطة والجرجرة، لضمان تحسين تجربة المراجعين وبناء علاقة صحيحة ومستقرة مع المؤسسات الرسمية.
تشهد بعض الجهات الرسمية في بعض الدول استخدام أسلوب المرمطة والجرجرة بشكل متزايد، وهذا يعود لعدة أسباب رئيسية. أولاً، تعتبر الضغوطات الإدارية أحد العوامل المساهمة. فقد يواجه الموظفون في الجهات الرسمية ضغوطاً من رؤسائهم لتحقيق نتائج معينة، مما يدفعهم إلى اتخاذ أساليب غير فعّالة أو حتى متعسّفة للتغلب على هذه المتطلبات. في بعض الأحيان، تتسبب هذه الضغوط في افتقار الموظفين للشعور بالمسؤولية أو التحفيز للاستجابة بشكل إيجابي.
ثانياً، يمثل نقص الموارد عاملاً آخر يساهم في انتشار هذه الممارسات. عندما تكون الموارد المالية أو البشرية غير كافية، يصبح من الصعب تنفيذ عمليات إدارية فعالة تفيد المواطنين. سيؤدي هذا النقص إلى عرقلة الإنجاز، مما يضطر الموظفين إلى استخدام أساليب تضمن استمرار العمل حتى لو كانت هذه الأساليب غير مجدية أو محبطة للمواطنين.
سوء التخطيط يعد أيضاً مصدراً رئيسياً لهذه الظاهرة. إن عدم وجود استراتيجيات واضحة أو خطط عمل محكمة يؤدي إلى الفوضى في العمل، حيث يجد الموظفون أنفسهم مضطرين لتطبيق أساليب غير منظمة في إدارة طلبات المواطنين. بالإضافة إلى ذلك، يلعب تأثير الثقافة المؤسسية دوراً مهماً في سلوك الموظفين. إذا كانت البيئة المؤسسية تشجع على التهرب من المسؤولية أو عدم الالتزام بالمواعيد، فسيكون من الطبيعي أن تتبع الأفراد نمطاً مماثلاً.
تجدر الإشارة إلى أن غياب الحلول الفعّالة أو أنظمة المكافآت التي تشجع على التغيير الإيجابي يمكن أن يفاقم من هذه المشكلة. ومع غياب تحفيز فعّال، تبقى البيروقراطية ثابتة، مما يزيد من تفشي أسلوب المرمطة والجرجرة. إن معالجة هذه القضايا يتطلب جهوداً متكاملة تتجاوز مجرد تقديم خدمات حكومية، لتعزيز فاعلية الأداء وتحسين تجربة المواطنين.
تأثير الممارسات السلبية على المجتمع
تتأثر المجتمعات بشكل كبير باستخدام أساليب المرمطة والجرجرة من قبل بعض الجهات الرسمية. فهذه الممارسات تؤدي إلى فقدان الثقة من قبل المواطنين في المؤسسات الحكومية، مما يُضعف العلاقة بين المواطن والدولة. عندما يشعر الأفراد بأنهم ضحايا لتلك الأساليب، ينشأ لديهم إحباط كبير، مما يؤدي إلى تآكل الإيمان في عملية اتخاذ القرار السياسي والجوانب القانونية. هذا الإحباط لا ينعكس فقط على الأفراد، بل يمتد ليؤثر على علاقة المجتمع بالحكومة بأكملها.
علاوة على ذلك، تساهم هذه الممارسات في إضعاف القيم الديمقراطية التي تعتبر ركيزة أساسية لأي مجتمع متطور. فعندما يتعرض المواطنون للتأجيل والتسويف في معاملاتهم واستفساراتهم، يبدأون في الاعتقاد بأن صوتهم ليس له قيمة. هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى تآكل المشاركة المدنية، حيث يشعر الأفراد بعدم فعالية جهودهم في تحقيق التغيير، مما قد يجعلهم يتجنبون الانخراط في الأنشطة التي تساهم في تقدم الوطن.
لا شك إن تحسين التعامل مع المواطنين يتطلب استراتيجيات فعالة تهدف إلى الحد من ظاهرة المرمطة والجرجرة التي تسبب الإحباط لكثير من الناس. من بين الحلول المقترحة، إدارة الوقت بفعالية تعتبر واحدة من أهم الخطوات. يتعين على الجهات الرسمية تبني نهج يتسم بالكفاءة في تنظيم مواعيد الخدمة، مما يسهل على المواطنين إتمام معاملاتهم دون تأخير. ذلك يمكن أن يتضمن تحديد مواعيد مسبقة وتوزيع الأوقات بشكل منطقي وفقًا لأعداد المواطنين المتوقعين.
علاوة على ذلك، من الضروري تعزيز صيغة التدريب للموظفين المعنيين بالواجهة الحكومية. فموظفون معدون بشكل جيد وقادرون على فهم احتياجات المواطنين يمكنهم تقديم خدمات أكثر كفاءة وودية. لذا، ينبغي تطوير برامج تدريبية تتناول مهارات العملاء، وفن التعامل مع الشكاوى، والقدرة على اتخاذ قرارات سريعة. هذه التدريبات ستعزز من قدرة الموظفين على الاستجابة والتفاعل بطريقة تسهم في تحقيق رضا المواطنين.
هذا ويعتبر التنسيق بين مختلف مؤسسات الدولة عنصرًا حيويًا في تحسين جودة الخدمات الحكومية المقدمة للمواطنين. إن التكامل بين هذه المؤسسات لا يساهم فقط في تسريع إجراءات إنجاز المعاملات، بل يعد خطوة أساسية نحو تحقيق الكفاءة العالية في أداء الحكومة. يتضح الأثر الإيجابي لهذا التنسيق على مختلف الأصعدة، إذ يساعد في تبسيط الإجراءات وتقليل الوقت المستغرق لإنهاء المعاملات، مما يخفف من الأعباء التي يواجهها المواطنون في تعاملاتهم اليومية.
عندما تعمل مؤسسات الدولة بشكل متكامل، يتم تبادل المعلومات والبيانات بشكل أسرع وأكثر فاعلية، مما يقلل من احتمالية تكرار الإجراءات أو الوقوع في أخطاء قد تعرقل سير العمل. هذه العملية تسهم في تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، حيث يشعر المواطنون أن خدمات الحكومة تواكب احتياجاتهم وأنها تعمل بجد لتلبية توقعاتهم. كما ان التنسيق الفعّال يقلل من الازدواجية والجهود المفرطة في العمليات المختلفة، مما يمنح المسؤولين القدرة على توجيه الموارد بشكل أكثر فعالية
بالإضافة إلى ذلك، من المهم تبني تقنيات جديدة لتيسير الإجراءات وتحسين الخدمة. توظيف التكنولوجيا مثل الأنظمة الإلكترونية للتسجيل وإجراء المعاملات يمكن أن يسهل العمليات بشكل كبير. كما يجب أن تشمل هذه التحسينات إنشاء مراكز لخدمة العملاء تتمتع بإعدادات مريحة، مما يتيح للمواطنين الحصول على الدعم بسهولة وبكفاءة.
وأخيراً، لا يمكن إغفال أهمية التواصل الفعّال في تغيير الثقافة السلبية المرتبطة بالتعاملات الرسمية. ينبغي على الجهات الرسمية العمل على تطوير قنوات تواصل فعالة مع المواطنين، تتيح لهم التعبير عن آرائهم واحتياجاتهم. من خلال إبداء الاهتمام بما يشعر به المواطنون، يمكن أن يتطور مستوى الثقة بين الجهات الرسمية والمواطنين، وبالتالي تقليص ظاهرة المرمطة والجرجرة.