د. هيفاء أبو غزالة
في عالم العمل يواكب الرغبة في النجاح صراعٌ دائم لتحقيق الأهداف والطموحات. ومع بداية مسيرة أي مسؤول بالعمل، يظهر على السطح نوع من التفاعلات الاجتماعية التي تعكس في كثير من الأحيان طبيعة العلاقات الإنسانية في بيئة العمل. لكن بين الثناء والتقرب، قد يتسلل أحد المنافقين إلى تلك العلاقات، ليتخذ من البراءة غلافًا يخفي داخله طموحات شخصية وأهدافًا متضاربة.
فعندما يستهل مسؤولٌ جديد عمله، يُحيط به مجموعة من الموظفين الذين يسعون لتقديم أنفسهم كمساعدين، يظهر بعضهم برغبة حقيقية في تقديم الدعم والمساعدة، بينما يتنكر أحدهم وراء قناع البراءة والنوايا الحسنة. حيث يعمد هذا النوع إلى استخدام أساليب تتراوح بين المجاملة الزائدة والمديح الفاضح، وتقديم اي نوع من الخدمات في محاولة لكسب ثقة المسؤول الجديد. بينما هو يحيك المؤامرات ضده ويشيع على جميع المستويات بانه من يقوم بالعمل ويخطط جميع المبادرات التي يطلقها مديره ، حتى أنه يستخدم اسم المسؤول عنه بعمله المشبوه على إعتبار بأن هذا ما يريده المدير .
إضافة الى ذلك يلجأ الى إستغلال وظيفته باساليب مختلفة. منها تنظيم شبكات من الخبراء التابعين له واختراع مهام طابعها رسمي للحصول على منافع مادية ، إضافة الى انشاء شبكات تعود عليه بالمنافع الشخصية.
حيث يمثل أحد هؤلاء الموظفين الذي يتقن فن النفاق تحت عباءة البراءة تحديًا أكبر، فهو ليس مجرد مدّعٍ، بل شخصية تتمتع بقدرة على التلاعب بالعلاقات. يستخدم أساليب متعددة لجذب انتباه المسؤول، سواء كان ذلك من خلال تقديم المشورة المهنية أو من خلال عرض خدمات شخصية تتعلق بحياته اليومية. وتكمن خطورة هذه الشخصية في قدرتها على تلفيق معلومات عن المسؤول عنه. وأيضا على قدرته على إنشاء شبكة من العلاقات مع مختلف المسؤولين في داخل وخارج المؤسسه ، ليشعرهم بأنه لا يمكن الاستغناء عنه لحاجتهم للدعم والمساندة بكافة اشكالها الادارية والماليه .
وتظهر هذه المظاهر بأشكال متعددة، مثل الدعوات الاجتماعية، ومحاولة تقديم الهدايا ، أو الإفراط في تقديم المساعدة أي كان نوعها دون طلب. حيث يسعى هذا الشخص لبناء سمعة إيجابية في نظر الجميع ، بينما يتحصل على مزايا شخصية منوعة من هذه العلاقة.
لكن ما لا يدركه هذا المنافق بان المسؤول عنه سيكشف أساليبه ، لان المنافق مهما كان محنكًا ومختبآ وراء عباءة البراءة، لا يمكن أن يدوم طويلاً وعواقمه وخيمة . وسرعان ما تفضحه التصرفات الحقيقية أمام المسؤول عنه وامام زملائه وشبكة العلاقات التي انشأها حيث يظهرون مشاعر الاحتقار تجاه هذه الشخصية وسلوكه . فيصبح مكشوفًا، ويبدأ زملاؤه في الابتعاد عنه، مُدرِكين أن اهتماماته ليست سوى لمصالحه الشخصية التي تتقاطع مع مصير الجميع.
وتعتبر ظاهرة النفاق التي تتنكر في زي البراءة واحدة من أكبر التحديات التي تواجه بيئات العمل . إن نجاح أي مسؤول يعتمد بشكل كبير على بناء علاقات صادقة وموثوقة مع فريقه. لذا، يجب على كافة المعنيين الانتباه لهذه الظاهرة ومحاولة تعزيز ثقافة الشفافية والصدق، لأنها السبيل الوحيد لضمان نجاح العمل الجماعي وتحقيق الأهداف المنشودة. إن النفاق قد يحقق نجاحًا مؤقتًا، لكن في النهاية ستظل الأسماء الحقيقية والشخصيات الطيبة هي من تنتصر.