من المخجل أن يضيق صدر المسؤول بنقدٍ يُوجَّه للصالح العام، وكأن النقد جريمة أو انتقاص من مكانته، وكأنه ليس بوصلة للإصلاح أو أداة التغيير وحقٌ أصيل للمواطن، نص عليه الدستور الأردني في إطار حرية التعبير التي هي ليست مجرد شعارات تُرفع وقت الحاجة، بل دعامة أساسية في بناء الدول الحديثة، تُرسي مبادئ المساءلة وتعزز الشفافية وتضع المصلحة العامة فوق أي اعتبار شخصي.
وللأسف، فقد تعرضت شخصياً لهذا النوع من “ضيق صدر البعض” في الأسبوع الماضي، عندما كتبت على صفحتي الشخصية أن الإعلام كان يجب أن يكون أكثر قدرة على توفير المعلومة للمواطن فيما يتعلق بزيارة الملك عبدالله الثاني الأخيرة إلى واشنطن، فوجدت سيلاً من المعاتبات وأحياناً الكلام غير اللائق الذي يردني على رسائل صفحتي على “فيسبوك”، علماً أنني كنت حريصاً من ذلك على أن أدعو الصحافة الأردنية والإعلام الوطني لممارسة دوره الحقيقي، وأنا ابن الصحافة الأردنية لأكثر من 22 عاماً وقد تشرفت بتغطية أخبار الديوان الملكي العامر لمدة تزيد عن 9 سنوات خلال عملي في صحيفة الغد اليومية.
هذا الموقف ليس استثناءً، بل يعكس أزمة أعمق في فهم العلاقة بين المسؤول والمواطن، فالبعض يعتقد أن النقد تهديد، وأن الصحافة يجب أن تكون مجرد أداة للترويج الرسمي، لا عيناً ناقدة تراقب الأداء وتدافع عن حقوق الناس في المعرفة والمشاركة، وهذه العقلية هي التي تضعف المؤسسات، وتبعدها عن جوهر دورها الحقيقي في خدمة الوطن والمواطن.
إن المسؤول الذي يغضب من النقد أو يرد عليه بالاتهامات أو التخوين، إنما يعكس فهماً قاصراً لوظيفته العامة؛ فالإدارة الحكيمة لا ترفض النقد، بل تتقبله بصدر رحب، وتتعامل معه باعتباره فرصة للتصحيح والتطوير، والأمثلة على ذلك كثيرة في الدول المتقدمة، حيث يُنظر إلى الصحافة سواء التقليدية أو الحديثة كحليف للدولة في كشف مواطن الخلل وليست كعدو يجب تحجيمه أو تشويهه.
وفي الأردن، حيث يؤكد الدستور والقوانين على حرية الصحافة ودورها في تحقيق الشفافية والمساءلة، من المفترض أن يكون المسؤول هو أول من يرحب بالنقد البنّاء، لأنه في نهاية المطاف يخدم الصالح العام، لكن الواقع، للأسف، يعكس أحياناً ممارسات تتناقض مع هذه المبادئ، حيث يتم التعامل مع الإعلاميين وكأنهم خصوم، بدلاً من اعتبارهم شركاء في عملية التطوير.
إننا في أمسّ الحاجة إلى إعادة النظر في طريقة تعاطي المسؤولين مع النقد، والانتقال من عقلية الحساسية المفرطة إلى عقلية الانفتاح والتفاعل الإيجابي؛ فالدول لا تتقدم إلا بالحوار والمكاشفة والتصحيح المستمر، ومن يعتقد أن النقد يقلل من شأنه، فليتذكر أن أعظم القادة وأكثرهم احتراماً في التاريخ كانوا أول من يستمع إلى النقد ويستفيد منه، لأنهم يدركون أن الحكم الرشيد لا يقوم على إرضاء الذات، بل على خدمة الحقيقة والعدالة والمصلحة العامة.