تشير بوصلة الأحداث الدائرة في قطاع غزّة إلى أنّ عائلات المحتجزين الإسرائيليين في القطاع تلقوا رسائل من مسؤولين أميركيين تفيد بأنّ صفقة شاملة وجديّة للإفراج عن ذويهم تلوح في الأفق، ما يعني أن الأمر على ما يبدو ربما بات مسألة أيام قليلة.
مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أبلغ العائلات لدى لقائه بهم قبل أيام، بأنّ الرئيس الأميركي منح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بضعة أسابيع لمواصلة العمليات العسكرية في قطاع غزّة، قبل المطالبة بوقف الحرب والتوصل لاتفاق شامل.
خلال الأيام الماضية تم تبادل المسودات بين إسرائيل ومصر، بشأن مقترح القاهرة للإفراج عن المحتجزين ووقف إطلاق النار، والذي يوفق بين مقترحين قدمهما المبعوث الأميركي ويتكوف بين فترات زمنية مختلفة خلال الأشهر الأخيرة.
المؤشرات تشير إلى وجود إمكانية لتحقيق تقدم في المباحثات في المستقبل القريب، لاسيما وأنّ نتنياهو أجرى تقييماً للوضع مع فريق التفاوض.
الرئيس الأميركي هو أيضاً أكّد وجود تقدم في المباحثات بين إسرائيل وحماس، لإعادة المحتجزين ووقف إطلاق النار.
إسرائيل أغلقت المعابر لمدة أسبوعين ومن ثم فتحت هذه المعابر، وكان النقاش مع الجانب الإسرائيلي حول عدد الشاحنات.. ولأول مرة منذ عام ١٩٦٧ ومنذ احتلال غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية يخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير خارجيته ويقولان نحن سنجوّع هذا المكان.. نحن سنمنع المواد الغذائية والكهرباء والأدوية.. فالوضع الصحي اليوم يتدهور!
أول أمس الجمعة اجتمعت اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية والإسلامية الاستثنائية المشتركة بشأن التطورات في قطاع غزة؛ لبحث سبل التوصل لوقف دائم لإطلاق النار، وبحث ادخال الإمدادات الإنسانية لجميع أنحاء القطاع، والتأكيد على تفاقم الوضع في غزّة، بعد خرق إسرائيل لوقف إطلاق النار في القطاع في الثامن عشر من الشهر الماضي، وتزايد الضغوط والتهديدات على الضفة الغربية والقدس، وضرورة التركيز على جهود وقف إطلاق النار، وعدم وجود بديل عن حل الدولتين وفقاً لمسار سياسي واضح. في وقت تعدّت التهديدات الإسرائيلية غزّة والضفة الغربية ووصلت إلى لبنان وسوريا.
واشنطن هي أيضاً تتواصل مع تل أبيب وحركة حماس من أجل التوصل لاستعادة الرهائن، والصفقة مع حماس ربما باتت مسألة أيام فقط، في وقت صار نحو ثلاثين بالمئة من مساحة قطاع غزة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي؛ إذ أنّ الجيش يزيد حالياً من الضغط العسكري، ليستكمل السيطرة، على محور مراد جنوب القطاع..
في وقت اتهم نتنياهو منظمات وصفها بغير الحكومية وتهدف إلى إسقاط حكومته، بدعم رسائل رفض الخدمة العسكرية. وقال نتنياهو إنّ من قاموا بذلك أرسلوا رسالة ضعف تعبر عن حالهم وحال الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي دفعه ليلوح بطرد كل من يشجع على رفض الخدمة العسكرية.
قبل أيام وقع نحو ٩٥٠ طياراً من جنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي على عريضة تدعو إلى رفض الخدمة العسكرية في حال استمرت الحكومة برفض وقف إطلاق النار، وواصلت المماطلة في إطلاق سراح الأسرى والمحتجزين، كما أنّ مئات من عناصر البحرية ووحدة الاستخبارات وقعوا عرائض مماثلة أيضاً.
الجيش الإسرائيلي اصدر أوامر للإخلاء الفوري لسكان عدد من البلدات شرق خان يونس، كما أنّ الجيش يضخم الحديث عن هذه المنطقة بوصفها منطقة قتال خطيرة، وكل ذلك ليواصل تدميره للقطاع بشكل كامل وممنهج.
اليوم أصبح على الطاولة ثلاثة خطط لقطاع غزّة بعد الحرب؛ أولاها خطة الرئيس الأميركي لامتلاك القطاع، وقد جدد الحديث عنها، وهناك خطة عربية لإعادة إعمار القطاع دون حماس ومستقبلها، وخطة اسرائيلية للتهجير الطوعي لسكان القطاع ومن ثم احتلالها أو تطبيق خطط ترامب!
أين تلتقي هذه الخطط وأين تتضارب؟! وأين سكان غزة وسط تعدد الطروحات؟! وأي خطة ستعتمد في النهاية؟!
اليوم كارثة إنسانية تحدث أمام أعين الجميع في غزّة، في وقت يموت آلاف الأطفال من الجوع والعطش والانهيار الكامل لما تبقى من حياة، عدا عن القصف المتواصل.
في غزّة الحرب ليست على الجبهات فقط بل في المخابز والمستشفيات وفي قلوب الأمهات!
نداءات الأمم المتحدة تتكرر.. لا طعام ولا ماء ولا دواء ولا وقود ولا أمان، ورغم ذلك لا أحد يتحرك!.. وكأنّ الحصار وحده لا يكفي، وكأنّ المجاعة وحدها لا تقتل بما فيه الكفاية..!
مخططات نتنياهو تكمن في مسح رفح عن الوجود تماماً.. رفح التي لجأ إليها أكثر من مليون إنسان بحثاً عن بقايا أمان، أصبحت في مرمى الخطر مستهدفة بالكامل، بحجة إنشاء منطقة عازلة!
رفح تمثل خُمس غزّة وإذا تم مسحها، فأين سيذهب الناس؟! ومن سيحتمل هذا التكدس؟ ومن سيحمل كل هذا الوجع في جغرافيا تضيق كل يوم؟!
الوضع اليوم بات أسوأ من مرحلة تجدّد الحرب على القطاع، غزّة اليوم ساحة للقتل والتجويع.. في غزّة يتم الاستفراد بمجموعة سكانية عددها ٢.٣ مليون نسمة، ولا يوجد طرفان.. في غزّة طرف واحد يفعل ما يشاء، والطرف الثاني ناس أبرياء لا حول لهم ولا قوة.. الأوضاع اليوم أخطر بكثير مما كانت عليه في بداية السابع من أكتوبر 2023!!
تحت وقع الضغط العسكري الإسرائيلي والكارثة الإنسانيّة.. هل باتت مسودات الهدنة بانتظار التوقيع؟!
أ.د. صلاح العبّادي
11
المقالة السابقة