Home ترامب وإعادة صياغة الشرق الأوسط : “السلام بالقوة”

ترامب وإعادة صياغة الشرق الأوسط : “السلام بالقوة”

د. عامر السبايلة

by editor
0 comments 11 views 3 minutes read
A+A-
Reset

وضع الرئيس خطته لوقف الحرب في غزة كمرجعية أساسية لجميع الأطراف، والتي من خلالها يبدأ في تطبيق رؤيته للسلام في الشرق الأوسط. الحقيقة أن ما عرضه الرئيس ترامب لا يختلف جوهرياً عمّا كان يردده سابقاً، لكن الطريقة التي فُرضت بها الأمور تبدو ترجمةً لأدبيات تروّج حالياً لمنهجية “السلام بالقوة”، التي تُفرض على الجميع إذا لم يُقبل طوعاً.

من زاوية أخرى، لا يمكن اعتبار الترجمة الفعلية للطرح الأميركي صيغة مرضية لحماس؛ بل هي صيغة تفرض الاستسلام عليها وتجبرها على الخروج من المشهد، وهو ما يتوافق مع رغبات نتنياهو وضيق مساحة المناورة أمام حماس وداعميها بشكل غير مسبوق. الرد الحمساوي جاء مدركاً لهذا الواقع، عبر الانصياع في مسألة الإفراج عن الرهائن، الأحياء والأموات، دفعة واحدة — وهي النقطة الأهم التي تحاكي غرور الرئيس الأميركي وتعطي انطباعاً بإنجاز سلام يُرضي رغبته الحالية.

لكن، في الواقع، النقاط التي طرحتها حماس تمثل تحولاً جوهرياً في كل ما قُدّم سابقاً؛ إذ حاولت وضع نفسها جزءاً لا يتجزأ من المشهد الفلسطيني، ومساءلة السلاح وتسليمه إلى مرجعية فلسطينية، والأهم مسألة الدولة الفلسطينية وشكل الحكم القادم في غزة. ويشير ذلك إلى سعي حماس لتبنّي نموذج أقرب إلى نموذج حزب الله في لبنان بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، بحيث تسعى الحركة للاحتفاظ بوجودها الداخلي وقدرتها على التأثير داخل المشهد المحلي الغزاوي بشكل خاص والفلسطيني بشكل عام. هذه النقاط لن تكون ضمن أولويات الإدارة الأميركية حالياً، فليس أمام أي طرف فرصة الاعتراض على السعي لوقف الحرب وإطلاق سراح الرهائن، باعتبار أن إنجاز هذه النقطة يبدو واقعياً وقد يفرض على إسرائيل تأجيل ردِّها، إلا أن ذلك سيبقى مادة خلافية كبيرة في المراحل المقبلة.

على الصعيد الإقليمي، ماذا يعني فرض “السلام بالقوة” بالنسبة لإيران؟ فهي اليوم في موقع استهداف أخطر، عبر تعميق عزلة دولية وإعادة فرض عقوبات وإنهاك قدراتها. كما تكبدت خسائر متتالية في جبهات كانت تُعد أدوات تفاوضية في مراحل سابقة. وطهران تدرك ذلك جيداً؛ وربما لهذا السبب أعاد لاريجاني، بعد زيارته الأخيرة إلى بيروت، التذكير بقدرات حزب الله ومسألة إعادة بناء هذه القدرات، في إشارة رمزية إلى أن الجبهات المحاذية لإسرائيل ليست جبهات منتهية ويمكن تفعيلها في مواجهة قادمة.

قد يصبح “السلام بالقوة” العنوان المقبل للإدارة الأميركية، وينطبق ذلك بالأساس على إيران أيضاً. إسرائيل، التي لم تتخلَّ عن فكرة العمل ضدّ الأهداف داخل إيران منذ حرب الأيام الإثني عشرة في حزيران الماضي، قد تجد ضالتها في هذه الإستراتيجية الأميركية التي تضع طهران أمام خطر الاستهداف المباشر ليس من إسرائيل فحسب، بل من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي عموماً.

القبول الإسرائيلي برؤية ترامب وسرعة الاستجابة لها يعكسان إدراكاً جديداً: أن ترامب صار فاعلاً في فرض وضمان السلام، وسلاماً يتطابق في جوهره مع المصلحة الإسرائيلية؛ سواء في شكل الحل في غزة، أو بتجنّب الضغط الحقيقي على إسرائيل في ملف الضفة الغربية، أو في الصيغة الإقليمية الأوسع من سوريا إلى لبنان وصولاً إلى إيران. في وقت يتحدث فيه ترامب عن توسيع “اتفاقيات إبراهيم” و”السلام القادم”، يظهر النظام الإيراني كالعقبة الأساسية في وجه هذا المشروع؛ بل كسبب رئيسي لعدم الاستقرار، لأن شكل السلام المطروح يستهدف انهاء وجود “الميليشيات والسلاح” وهو جوهر الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة.

بمعنى آخر، البدء بفرض الحل في غزة قد يعني الانتقال إلى مواجهة مع إيران. تفكيك الجبهات وفرض السلام سيجعل من الجبهة الإيرانية المحور الأهم، ما يجعل الخيارات أمام النظام في طهران محدودة للغاية: السلام هنا ليس دعوة للانفتاح، بل إخضاع عبر إيقاع القوّة. شعار الإدارة الذي يتكرر كثيراً، خصوصاً مع تغيّر اسم وزارة الدفاع إلى وزارة الحرب، يبدو واضحاً: إن أردت السلام فعليك أن تستعد للحرب.

Have any thoughts?

Share your reaction or leave a quick response — we’d love to hear what you think!

You may also like

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
Focus Mode
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00