Home اختيارات رئيس التحريرثالث أسباب ترهل النقل والمرور: غياب خطة نقل وطنية متكاملة 14

ثالث أسباب ترهل النقل والمرور: غياب خطة نقل وطنية متكاملة 14

د. نضال القطامين

by editor
17.3K views
A+A-
Reset

النقل في الأردن لم يعد مجرد مشكلة بنية تحتية أو اختلالات مرور؛ بل أصبح عنوانًا لعجز مؤسسي عن استثمار واحدة من أغنى الفرص التنموية والاقتصادية للدولة. الطرق مكتظة بالمركبات، النقل الجماعي غائب فعليًا، الربط بين المحافظات هش، وحركة البضائع تعتمد كليًا على الشاحنات دون منظومات نقل حديثة. كل ذلك يتفاقم بغياب قواعد البيانات، وانعدام دور الجامعات، وضعف التنسيق بين الجهات المسؤولة، مما يعمّق الفوضى اليومية التي يدفع ثمنها المواطن والاقتصاد معًا.

الحل واضح ومباشر: القطاع الخاص يجب أن يتقدّم فورًا إلى الواجهة، لا كمقاول تقليدي، بل كشريك استراتيجي متألق يتآلف مع كبرى شركات النقل العالمية، يتنافس داخليًا وخارجيًا لتقديم أفضل الخدمات، يدخل السوق بجودة عالية وخدمات متخصصة، ويقدّم حلولًا شاملة لكل مجالات النقل وحتى المرور: من الباصات السريعة داخل المدن، إلى القطارات الإقليمية، إلى الترام الكهربائي، إلى النقل التشاركي الذكي، إلى السكك الحديدية، إلى ممرات الشاحنات ومراكز النقل المتكاملة.

في هذا المشهد، الجميع هو الرابح. السوق متعطش للخدمة، والمواطن مستعد للدفع مقابل الجودة وتوفير ماله ووقته، والقطاع الخاص المحلي والعالمي جاهز لتقديم خبراته وجني الأرباح، والحكومة تقف لتوفير بيئة تنظيمية قوية تعود بخزينتها المليارات من العوائد.

الحكومة لن تكون الممول ولا المنفّذ، بل الجهة التي تضع الإطار، وتراقب، وتضمن الالتزام بالمعايير. الدولة تربح من تقليل كلف الحوادث والاستهلاك، من رفع كفاءة الاقتصاد، ومن إمكانية الدخول كشريك منظم في بعض المشاريع من خلال صناديق استثمارية مثل أموال الضمان الاجتماعي، شرط ضمان عوائد مربحة ومحمية.

على أرض الواقع، هذا التوجه يزيد الوظائف في كل المحافظات، يرفع مستوى الخدمات، ويبني منظومة نقل من طراز رفيع تليق بالمواطن وتعزز صورة الدولة. قطاع النقل عالميًا هو من أكبر مولدات الوظائف، ومن أكثر القطاعات جذبًا للاستثمارات طويلة الأمد. لا مبرر لأي تأجيل أو تردد.

المطلوب اليوم من صانع القرار الحكومي موقف واضح: فتح الباب أمام القطاع الخاص، استقطاب الشراكات العالمية، وضع الإطار القانوني والرقابي، وفرض وجود الكفاءات الوطنية من مهندسي النقل وهندسة المرور والسلامة المرورية لضمان التنفيذ السليم والرقابة المستمرة.

المعادلة واضحة: قطاع نقل متكامل = خدمة أفضل للمواطن + وظائف أكثر + اقتصاد أقوى + استثمارات أكبر + قطاع خاص فعّال + دولة تنظم وتراقب ولا تمول.

تجارب العالم تثبت ذلك: Crossrail في لندن، شبكة النقل الهولندية، منظومة النقل الذكي في سنغافورة، والأقرب إلينا تجربة مطار الملكة علياء الدولي، التي أثبتت أن الشراكة مع القطاع الخاص قادرة على تحقيق قفزة نوعية في الخدمة والاستدامة دون أعباء على الدولة.

هذا ملف لا يحتمل التأجيل، ولا يحتاج إلى تجريب. نحن بحاجة إلى قرار شجاع ينتقل بنا من إدارة الفوضى إلى بناء منظومة نقل وطنية حديثة تحقق مكاسبها الإيجابية فورًا وعلى كل المستويات.

وللحديث بقية…

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00