لا اعتقد أن من الإنصاف المقارنة بين نتائج الحكومات في استطلاعات ثقة الرأي العام، خاصة التي يجريها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية منذ عقود، نظرا لاختلاف الظروف والمعطيات في الفترات الزمنية المتلاحقة، والتطورات الطارئة التي واجهت حكومات دون غيرها، إضافة إلى المتغيرات الإقليمية، التي تترك تأثيرا كبيرا على الأوضاع الداخلية في بلد مثل الأردن.
الحكومات لا تنافس بعضها، إنما الحقيقة هي أن الحكومة الواحدة تدخل منذ استطلاع التشكيل في منافسة مع نفسها. عادة ما تنال معظم الحكومات مقدارا جيدا من التفاؤل بقدرتها على تحمل مسؤوليات المرحلة عند تشكيلها، ويصبح التحدي هو المحافظة على نسب الثقة المسجلة في استطلاع الـ 100 يوم. وبعد سنة على تشكيل الحكومة، تصارع الحكومة لتسجيل أقل معدل من الانخفاض في معدل الثقة.
حكومة جعفر حسان دخلت هذه المنافسة وسجلت نتائج استطلاع الرأي بعد سنة على تشكيل الحكومة، والذي أعلنت نتائجه أول من أمس، أن الحكومة نالت ثقة أعلى بعشر درجات تقريبا عما كانت عليه في استطلاعي الـ100 يوم والـ200 يوم.
لن أقدم عرضا بالأرقام والنسب، فهي متاحة على المنصات الإعلامية، وإنما سأتوقف عند الدلالات لهذا التحول في نظرة الرأي العام التقليدية للحكومات:
أولا: نتائج استطلاع الرأي الأخير أثبتت أن الأردنيين ليسوا شعبا سوداويا، كما يحلو لبعض الساسة والمحللين تصنيفه، بل شعب يعطي الحكومات ثقة ودعما يعادل ما تقدمه، أو ما تظهره من اهتمام بشؤونه، حتى عندما لا تسعفها الإمكانيات المالية على تحقيق مطالبه.
ثانيا: أن النهج الميداني الذي اختطه رئيس الوزراء، والذي بات معروفا بالزيارات الميدانية للمحافظات والمواقع الأقل حظا بالتنمية، وواكبه في هذا السلوك وزراء حكومته، ساهم إلى حد كبير في تشكيل هوية الحكومة في نظر الأردنيين، بوصفها حكومة تهتم بشؤون الناس، وتكترث لمشاكلهم.
ثالثا: أكدت نتائج الاستطلاع أن الظروف الخارجية المعقدة والصعبة من حولنا، لا تحد من قدرة الحكومات على التحرك في الداخل وتحريك عجلة الاقتصاد والتنمية، والأهم من ذلك أن اهتمام الحكومة بالشأن الداخلي هو الذي يحدد مستوى الثقة فيها،لا الشأن الخارجي.
وفي هذا الصدد يجدر التذكير هنا بحزمة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة لتحفيز قطاعات كالعقار والسيارات والصناعات الوطنية. وقرار تأمين نحو 4 ملايين مواطن أردني ضد السرطان رغم ما أظهره الاستطلاع من عدم معرفة قطاع واسع فيه.
رابعا: الثقة المرتفعة نسبيا بقدرة الحكومة على تحمل مسؤوليات المرحلة، ليست شيكا على بياض، فهي مرهونة بمدى استجابة الحكومة لأولويات الأردنيين والتصدي للمشكلات التي تؤرقهم، وفي مقدمتها البطالة والفقر وغلاء المعيشة.
لدى الحكومة حزمة من المشاريع الكبرى في مجالات المياه والنقل والطاقة، كما تستعد لافتتاح وبناء عدد من المستشفيات في المحافظات، إضافة إلى المدارس، سيكون لها دور في التخفيف من معدلات البطالة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين.
التحدي الماثل حاليا، هو ضمان تنفيذ هذه المشاريع بحسب البرامج الزمنية، وتأمين المرافق الصحية الجديدة، بالكوادر المؤهلة. واعتقد أن نهج الزيارات الميدانية للمحافظات ينبغي أن يتواصل لأنه السبيل الوحيد للتواصل المباشر بين المسؤول والمواطن.
ثمة من يرى أن من غير المناسب أن يطوف رئيس الوزراء على المدارس والمراكز الصحية ليباشر أوضاعها، بل واجب الوزراء والمسؤولين في المحافظات فقط.
اختلف مع أصحاب هذا الرأي المقدر، وأسأل هنا لماذا نستكثر على الأردنيين في المحافظات التواصل مباشرة مع رئيس الوزراء؟ لماذا ينبغي أن يبقى رئيس الوزراء حكرا على عمان وصالوناتها؟.