كتب: محمد الطّورة
ظاهرة تكرَّرت هذه الأيَّام وشاهدناها بأمِّ العين إذ عندما تتعرَّض الأوطان للخطر ” يهرب ” بعض الحكَّام والحكومات ما أمكنهم إلى الهرب سبيلاً عندما يبيعهم أو يتخلَّى عنهم الظَّهير الأجنبيُّ، وبعد إنَّ ساموا شعوبهم سوء العذاب وكان لهم صولات وجولات وعنتريَّات وضجيج يزعج الكون بأسره نحن نتساءل فقط من غير إطناب هل هذه الظَّاهرة عربيَّةً فقط وهل هي تاريخيَّة أصلاً أم أنَّها مقصورة على زمننا هذا وحكَّامه وحكوماته الَّتي لاذت وتلوذ بالفرار عندما تتعرَّض أوطانها للخطر سواء داخليّ أم خارجيّ وهنا لا بدَّ من طرح السُّؤال التَّالي هل ستبقى ظاهرة هروب الحكَّام لازمة مع عدم تفهُّمهم لمعنى الوظيفة العامَّة. شاهدنا في السَّنوات الأخيرة كيف تتداعى الدُّول إذا ما انهمك الحكَّام بالتِّجارة على حساب الإمارة أو إذا توازت الإمارة مع التِّجارة، وهذا ما يعني أنَّ الحاكم أصبح منشغلاً منهمكًا بالأعمال التِّجاريَّة لا بالقضايا الوطنيَّة؛ ممَّا سيؤدِّي إلى حجب الحقائق أمامه، واعتماده على تقارير حاشيته وكلَّ من حوله من معشر المنتفعين، وانحصار دوره بتوشيح توقيعه فقط، كلُّ ذلك يجعل الرَّماد يتجمر ويتحوَّل إلى نيران لا تطفئها أيَّة قرارات انفعاليَّة أو كابحة للانتفاضات أو الاحتجاجات الشَّعبيَّة، من هنا، نستطيع قراءة ما جرى في سوريا الَّتي امتطى رئيسها السَّابق طائرته نحو موسكو طالبًا اللُّجوء الإنسانيَّ، والَّذي حصل عليه وأسرته، تاركًا بلده عرضةً لكافَّة المشاريع التَّقسيميَّة والطَّائفيَّة، وهذا ما يجعلنا نتساءل: لماذا يذهب بعض الحكَّام إلى هذه الخيارات؟ لدينا في المملكة الأردنِّيَّة الهاشميَّة قيادةً هاشميَّةً واعيةً لحركة التَّاريخ ممثِّلةً بحضرة صاحب الجلالة الملك عبد اللَّه الثَّاني الَّذي تعامل- ولا يزال- مع أعقد الأزمات والتَّحدِّيات بتأنّ وحصافة، واضعًا المصالح الوطنيَّة الأردنِّيَّة أولويَّةً.
لقد كانت فترة عمليّ في السَّفاراتين الأردنِّيّتين في كلّ من واشنطن ولندن فرصةً اطَّلعت خلالها عن قرب على بعض ما ينشر من أخبار وتقارير وتحليلات في وسائل الإعلام الأمريكيَّة والبريطانيَّة المختلفة والَّتي توضح فيها كيف ينظر العالم إلى الأردنِّ وقيادته الهاشميَّة الَّتي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشَّكِّ أنَّ العلاقة مع الشَّعب ليست علاقة حاكم- محكوم بل علاقة التحاميَّة في مجابهة التَّحدِّيات والتَّهديدات، فجلالة الملك يواصل اللِّقاءات والاجتماعات مع أبناء شعبه من كافَّة الأطياف وعلى وجه الخصوص رفاق السِّلاح من المتقاعدين العسكريِّين لأنَّه يدرك كلُّ الإدراك أنَّ الحاكم قويّ بشعبه وليس قويًّا عليهم، ولهذا يثق شعبنا الأردنِّيُّ بكافَّة أصوله ومنابته بقيادته، وهو مستعدّ للتَّضحية دفاعًا عن وطنه وصيانة للعرش الهاشميِّ. وبالعودة إلى ما ذكرناه في بداية المقال؛ جرت العادة عندما يطاح بحاكم فإنَّه يتَّجه إلى المنفى طوعًا أو كرهًا لتجنُّب نزاع أو حرب أهليَّة. . . والسُّؤال الَّذي يطرح نفسه هو. . . هل يسيء استضافة حاكم مطاح به للدَّولة المضيفة؟ والإجابة هي ليس دائمًا. . . فأغلب هؤلاء الحكَّام- كما الرَّئيس السُّوريُّ- يريدون تقاعدًا هادئًا يتجنَّبون فيه سيناريو المثول أمام المحكمة الجنائيَّة الدَّوليَّة، وعرض اللُّجوء قد يكون جيِّدًا للعلاقات الدِّبلوماسيَّة كما في حالة الرَّئيس التُّونسيِّ الرَّاحل زين العابدين بن علي، وأيضًا في حالة الرَّئيس الزِّيمبابويِّ روبرت موغابي.
في الختام؛ على الحكَّام أن يضعوا مصالح شعوبهم وأوطانهم فوق أيَّة اعتبارات أخرى. ولهم في القيادة الهاشميَّة في الأردنِّ أنموذج حيّ يحتذى.