العموم نيوز: على مدى عقود، اعتمد العلماء على القوارض كنماذج أساسية في الأبحاث الطبية بهدف تطوير علاجات لأمراض معقدة، مثل السرطان. ومع ذلك، كشفت دراسة حديثة نُشرت في دورية “ساينس أدفانسس” عن قصور كبير في فعالية استخدام هذه الحيوانات في التجارب، خاصة عند دراسة بروتين “PD-1″، الذي يعد عنصرًا رئيسيًا في العلاجات المناعية.
أوضحت الدراسة أن الفئران تمتلك نسخة أضعف من هذا البروتين مقارنة بالبشر، مما يثير تساؤلات حول مدى جدوى استخدام القوارض وغيرها من الحيوانات غير الرئيسيات كنماذج موثوقة. وأدى هذا إلى دعوة لتطوير بدائل أكثر دقة تتناسب مع البيولوجيا البشرية، وفقًا لبحث أجراه فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو بالتعاون مع الأكاديمية الصينية للعلوم.
تم اكتشاف بروتين “PD-1” في التسعينيات، وكان نقطة تحول في العلاجات السرطانية، حيث يعمل كبوابة تمنع الخلايا المناعية من مهاجمة خلايا الجسم السليمة. بعد اكتشافه، تم تطوير أدوية مبتكرة تعمل على تعطيل وظيفة هذا البروتين، مثل مثبطات نقاط التفتيش المناعية، التي تحفز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية. ورغم النجاح الكبير لهذه العلاجات في النماذج الحيوانية، إلا أنها تبين فعاليتها فقط مع عدد قليل من مرضى السرطان، مما دفع العلماء إلى البحث عن فهم أعمق لهذا البروتين.
وتبين أن بروتين “PD-1″ في الفئران أضعف بكثير من نظيره البشري. استخدم الباحثون تحليلًا بيولوجيًا ونماذج حيوانية، بجانب خارطة تطورية تتبعت تطور البروتين عبر ملايين السنين. يعمل هذا البروتين كـ”نقطة تفتيش” تنظيمية على سطح الخلايا المناعية مثل الخلايا التائية، ويمنع الاستجابة المناعية المفرطة التي قد تُسبب ضررًا للخلايا السليمة في الجسم عند تفاعله مع جزيئات “PD-L1″ و”PD-L2” الموجودة على بعض الخلايا.
تستفيد العلاجات المناعية الحديثة من هذه النقاط التنظيمية لتحفيز الجهاز المناعي لمهاجمة الخلايا السرطانية. فعند منع بروتين “PD-1” من التفاعل مع جزيئات “PD-L1” أو “PD-L2″، تبقى الخلايا التائية نشطة وغير مقيدة، مما يعزز قدرة الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية ومهاجمتها. تعتبر أدوية مثل “نيفولوماب” و”بمبروليزوماب” من أبرز العلاجات التي تستهدف “PD-1″، وقد أثبتت فعّاليتها في علاج أنواع متعددة من السرطان مثل سرطان الرئة والميلانوما وسرطان الكلى.
ورغم النجاح الذي حققته هذه العلاجات في النماذج قبل السريرية، مثل التجارب على القوارض، فإنها تواجه تحديات عديدة، أبرزها الاستجابة المحدودة، حيث لا يستجيب سوى عدد قليل من المرضى لهذه العلاجات، بالإضافة إلى الآثار الجانبية الكبيرة التي قد تسبب ردود فعل مناعية مفرطة.
وأشار المؤلف المشارك في الدراسة “إنفو هوي” إلى أن النتائج تكشف جزءًا من سبب تباين نتائج العلاج بين النماذج الحيوانية غير الرئيسيات والبشر. وأوضحت الدراسة أن الفئران تفتقر إلى سلسلة محددة من الأحماض الأمينية تُعرف بـ “الموتيف”، وهي موجودة في معظم الثدييات، بما في ذلك البشر. هذه الاختلافات تجعل النسخة الفأرية من البروتين أضعف، وأكد الباحثون أن استبدال بروتين “PD-1” الفأري بنسخته البشرية عطّل قدرة الخلايا التائية على محاربة الأورام.
وأضاف “جاك بوي”، المؤلف المشارك في الدراسة، أن هذه النتائج تؤكد الحاجة إلى فهم أعمق للنماذج الحيوانية المستخدمة في تطوير الأدوية. ولشرح هذه الاختلافات، تعاون فريق البحث مع الأكاديمية الصينية للعلوم، واكتشفوا أن نشاط “PD-1” لدى أسلاف الفئران شهد تراجعًا كبيرًا قبل 66 مليون عام بعد انقراض الديناصورات، مما قد يكون نتيجة لتكيفات بيئية لمواجهة مسببات الأمراض الخاصة بالقوارض.
تفتح هذه النتائج آفاقًا جديدة لتطوير نماذج حيوية أكثر دقة لدراسة بروتين “PD-1″، مما يعزز فهم تأثيره على الخلايا التائية في السياق البشري، ويُمهد الطريق لتحسين العلاجات المناعية في المستقبل.