يحتفل الأردن اليوم، الخميس، بالذكرى الثالثة والخمسين لاستشهاد رئيس الوزراء الأسبق وصفي التل، الذي اغتيل في القاهرة أثناء مشاركته في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك في 28 تشرين الثاني 1971.
وُلد وصفي التل عام 1920 في عائلة أردنية مرموقة، فهو ابن الشاعر الكبير مصطفى وهبي التل. تلقى دراسته الابتدائية في الأردن، ثم انتقل للدراسة في الجامعة الأمريكية في بيروت. شغل الراحل العديد من المناصب الدبلوماسية والإدارية في عمان والقدس وأريحا ولندن، حيث عمل في السفارات الأردنية في موسكو وطهران وبغداد.
يُعتبر وصفي التل من أبرز الشخصيات السياسية الأردنية، فقد تولى رئاسة الحكومة الأردنية في عدة فترات: 1962، 1965، 1970. اشتهر بوفائه وإخلاصه للقيادة الهاشمية، وولائه للأمة العربية، وكان شديد الانتماء لوطنه وحريصًا على وحدته. آمن التل بأهمية العمل العربي المشترك والتصدي للتحديات التي تواجه الأمة العربية، وكان من الداعمين الرئيسيين لقضية فلسطين ونضال الشعب الفلسطيني من أجل تحرير أراضيه.
كان وصفي التل رائدًا في دعم مفهوم دولة الإنتاج، حيث كرّس جهود الدولة ومؤسساتها لخدمة المواطن وتحقيق النهضة الوطنية. خلال فترة رئاسته للحكومة، كانت هناك تركيزات كبيرة على بناء الجيش وتعزيز قدراته، وتطوير منظومة إعلامية فعالة، وتوسيع القطاع الزراعي بهدف تحفيز المواطنين على الاستقرار في الريف وتطويره، وتعزيز الاقتصاد الوطني من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية.
آمن وصفي بأن الأردن قادر على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الأمن الغذائي، ولذلك أنشأ العديد من المشاريع الوطنية التي تدعم هذا التوجه. بالنسبة له، كانت الأرض وما تنتجه بمثابة “نفط الأردن”. كما أسس عدة مؤسسات تهدف إلى جعل الأردن أكثر استقلالية من حيث الاعتماد على الذات والابتعاد عن الضغوطات الخارجية. في عهده، شهدت المملكة العديد من المشاريع الكبرى مثل شق قناة الغور الشرقية (قناة الملك عبد الله)، تأسيس الجامعة الأردنية، بناء سد الملك طلال الذي ساهم في استصلاح أراضٍ زراعية، بالإضافة إلى إنشاء الطرق الحيوية مثل الطريق الصحراوي، وشركات الفوسفات والبوتاس، وتوسيع الساحل الأردني على خليج العقبة.
أما على الصعيد السياسي، فقد تعاون وصفي التل مع وزير الداخلية حابس المجالي في السبعينات لمواجهة تهديدات الفدائيين الذين استخدموا الأراضي الأردنية كقاعدة للهجمات ضد إسرائيل. وتوجت هذه المواجهات بمعركة أيلول الأسود الشهيرة، التي انتهت بالقضاء على معاقل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المسلحة.
كان وصفي التل أيضًا شخصية قومية بارزة، فقد شارك في العديد من المؤتمرات الدولية نصرةً للقضية الفلسطينية، وكان يردد دوماً أن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي تتطلب تحركًا شعبيًا بسبب التفوق العسكري الإسرائيلي المدعوم من الدول الغربية.
في عام 1971، سافر وصفي التل إلى القاهرة للمشاركة في اجتماع لجامعة الدول العربية. ورغم تلقيه تحذيرات من تهديدات على حياته، أصر على الحضور. وفي مساء ذلك اليوم، وأثناء عودته إلى فندق الشيراتون، اغتيل وصفي التل برصاصات غادرة على يد عناصر من منظمة أيلول الأسود. كان وصفي هو ثالث شخصية سياسية أردنية بارزة يتم اغتيالها بين عامي 1951 و1971، بعد الملك عبد الله الأول ورئيس الوزراء هزاع المجالي.
تم نقل جثمان وصفي التل إلى عمان في 28 تشرين الثاني 1971، حيث شيّعه الآلاف من أبناء الشعب الأردني في موكب مهيب، تقدمهم جلالة الملك الحسين، حتى وصل إلى المقابر الملكية. وفيما بعد، تم نقل جثمانه إلى ساحة منزله في غرب صويلح، الذي أصبح متحفًا وطنيًا يزورُه الآلاف من الأردنيين في المناسبات الوطنية إحياءً لذكراه العطرة.
ظل وصفي التل رمزًا من رموز بناء الدولة الأردنية، وذكراه حية في قلوب الأردنيين إلى اليوم، حيث يظل إرثه السياسي والوطني مصدر إلهام للأجيال القادمة.