لندن: محمد الطّورة
والدي الغالي سلام على روحك الطاهرة الزكية، كنت دائماً المعلم والمنارة التي تنير دربي. كان لديك الحكمة والمرونة في مواجهة تحديات الحيا ة أخاطبك اليوم وأنت في دار الحق، بينما لا زالت حياتي تدور في دار الباطل. الحياة يا أبي لم تعد كما تعرفها، فكل شيء فيها تغير، وأصبحت أكثر تعقيدًا مما كنت تفكر.
والدي الحبيب أن حب المال أصبح يسيطر على علاقات الناس، والحسد والحقد يتغلغل في نفوس الجميع. الإنسانية لم يعد لها مكان في هذه العلاقات، فالجار لم يعد يعرف جاره، والموظف فقد الروح المعنوية التي عرفتها. أما الأخوة فقد تحولوا إلى أعداء، والقيم الأخلاقية تراجعت وأصبحت عائقًا لا ينظر إليه.
غلاء الأسعار أجبر الناس على التخلي عن أساسيات الحياة، وحب المظاهر أصبح سمة سائدة تدمر القيم. المناصب توزع من قبل السلطة على المعارف والأقارب، ولم يعد هناك وجود لطبقة متوسطة حقيقية. هذه التحديات أتاحت لنا فرصة التفكير في كيفية التصحيح والإصلاح.
والدي الحبيب، نم قرير العين في قبرك، فنحن متوكلون على الله، ونأمل أن تتبدل الأحوال. أبشرك أن غزة أصبحت محررة، والشوبك، مسقط رأسك، أصبحت مدينة. أنا وأخي جمال لا زلنا على العهد والوعد صامدين ، بارين بوالدتي وقريبين من أخواتي.
والدي الغالي شكل غيابك بالنسبة لنا نقطة تحول كبيرة في حياتنا اليومية. لم يكن فقدانك مجرد فقدان شخص عزيز ولكن كان له تأثير عميق على جميع من حولك. شهدت العلاقات الاجتماعية تغيرات ملحوظة، حيث بدأ التركيز على المال والمظاهر يأخذ حيزاً أكبر من الأخلاق والقيم. أصبح الكثيرون يسعون لتحقيق المصالح الشخصية على حساب المشاعر الإنسانية، مما أدى إلى نوع من الفرقة بين الأفراد.
والدي الحبيب في مجتمعنا، كان هناك وقت كان فيه التكاتف والدعم العائلي يمثلان قيمة عالية. ولكن، مع مرور الوقت، تراجعت هذه القيم واستبدلت بالأحقاد والحسد التي تسللت إلى نفوس الكثيرين. الناس أصبحوا يقلّلون من أهمية الروابط الحقيقية، وبدلاً من ذلك، اتجهوا نحو شيء سطحي يسعى لرضا المجتمع من خلال المال والمظاهر. حتى في الفعاليات الاجتماعية، أصبح الهدف الرئيسي هو الظهور بشكل مثالي بدلاً من تعزيز العلاقات الحقيقية.
والدي الغالي لقد ساءت الأمور بشكل أكبر تأثير التكنولوجيا على علاقاتنا اصبح واضح في جميع مناحي الحياة. وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، أضافت بعدًا آخر للعزلة، حيث أن التواصل الافتراضي قلل من جودة التفاعل الإنساني. أصبحت العلاقات مبنية على “الإعجابات” بدلاً من التواصل الوجاهي المباشر، مما أثر على فهمنا للإنسانية والمشاعر. إن الشعور بالفراغ الذي خلفه غيابك قد زاد من حدة هذه التحولات وأظهر لنا عيوب المجتمع الذي نحيا فيه.
أبي الحنون الغالي نم قرير العين في قبرك،رحمك الله يا أغلى الرجال ،كم كنت عظيماً رحوماً براً كريماً،هذه الصفات كانت عنوانك في حياتك ومماتك.
فقدناك يا غالي.. وأي فقد إنه فقد الروح عن الجسد فقدنا الحياة بكل معانيها.