استقبال ملكي يعكس الشرعية والدعم
حملت زيارة الرئيس السوري الجديد، احمد الشرع، إلى الأردن دلالات سياسية عميقة، بدءًا من الاستقبال الشخصي الذي حظي به من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني فور وصوله، حيث استقبله على الطائرة، وهو مشهد يعكس بوضوح منح الشرعية للرئيس الجديد، ليس فقط على مستوى العلاقات الثنائية، بل أيضًا على المستوى الإقليمي والدولي.
تأتي هذه الزيارة كجزء من أولى جولات الشرع الخارجية بعد توليه الرئاسة، إذ كانت السعودية محطته الأولى عربيًا، ثم جاء الأردن كثاني دولة عربية يزورها، بينما كانت تركيا أول محطة دولية له. هذا الترتيب يحمل في طياته رسائل استراتيجية واضحة حول السياسة السورية الجديدة والاتجاهات التي تسعى دمشق لترسيخها في المرحلة المقبلة.
الرسائل الإقليمية والدولية للزيارة
تتجاوز زيارة الرئيس الشرع إلى عمان إطار المجاملات الدبلوماسية التقليدية، إذ تشير إلى إعادة تموضع سوريا في المشهد الإقليمي والدولي، وتبعث بعدة رسائل مهمة:
1. سوريا لم تعد جزءًا من الحلف الإيراني:
من خلال اختيار الرياض وعمان كمحطات عربية أولى، ترسل دمشق رسالة واضحة بأن مرحلة التبعية المطلقة لإيران قد انتهت، وأنها تتجه نحو تعزيز علاقاتها مع الدول العربية الكبرى، في إشارة إلى رغبة النظام الجديد في الانفتاح وإعادة التوازن إلى السياسة السورية.
2. الأردن بوابة سوريا الدولية، والسعودية نافذتها العربية:
يعكس الترتيب الدبلوماسي لهذه الزيارات إدراك القيادة السورية الجديدة لأهمية الأردن والسعودية في إعادة صياغة المشهد السوري.
• الأردن، بحكم علاقاته الدولية المتشعبة وقدرته على التفاعل مع مختلف القوى العالمية، يمثل نافذة سوريا إلى العالم، ويمكن أن يكون شريكًا رئيسيًا في عملية إعادة تأهيل دمشق دوليًا.
• السعودية، باعتبارها الدولة العربية الأكثر تأثيرًا، تلعب دور النافذة العربية لسوريا، إذ تمتلك القدرة على تسهيل عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتعزيز علاقتها بمحيطها العربي.
3. حماية ودعم الملك عبد الله الثاني للدولة السورية الجديدة:
لم يكن إرسال طائرة ملكية لنقل الرئيس الشرع إلى عمان مجرد إجراء بروتوكولي، بل هو إشارة سياسية قوية تعني أن الأردن يقدم دعمًا واضحًا للقيادة السورية الجديدة. هذه الخطوة تعزز فكرة أن الأردن لن يسمح بحدوث فراغ في سوريا، وأنه يرى في الرئيس الشرع شريكًا استراتيجيًا يمكن التعاون معه لإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
استقبال أخوي ومؤشرات لمستقبل العلاقات السورية الأردنية
تميز الاستقبال الأردني للرئيس الشرع بطابع أخوي وودي، مما يشير إلى رغبة واضحة في بناء علاقة قوية ومستقرة بين البلدين. هذا النهج يعكس إدراك القيادة الأردنية لأهمية سوريا كجار استراتيجي، وتأثير استقرارها المباشر على الأمن الوطني الأردني.
من خلال هذه الزيارة، يمكن القول إن سوريا تدخل عهدًا جديدًا، حيث يبدو أن القيادة الجديدة تسعى إلى بناء سياسة خارجية متوازنة، قائمة على تعزيز الروابط العربية، والانفتاح على المجتمع الدولي، وإعادة هيكلة العلاقات الإقليمية وفق أسس جديدة.
ختامًا: نحو مرحلة جديدة من التعاون العربي
تشير زيارة الرئيس الشرع إلى الأردن إلى أن دمشق بدأت في إعادة تموضعها في المشهد العربي والدولي، وأن العلاقة الأردنية السورية مرشحة لتكون أحد المحاور الأساسية في صياغة مستقبل سوريا الجديد.
من الواضح أن هذه الزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي عابر، بل تؤسس لمرحلة جديدة من التعاون والتنسيق بين عمان ودمشق، وهو ما قد ينعكس على الملفات الإقليمية المختلفة، من الأمن الحدودي إلى التعاون الاقتصادي وإعادة الإعمار.