في إنجاز جديد للسينما الأردنية، تم اختيار المخرجة الشابة زين دريعي ضمن برنامج نجوم الغد العرب للعام الحالي، الذي تنظمه مجلة “سكرين إنترناشونال”. يعد هذا الحدث تكريما لطاقات سينمائية واعدة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
زين دريعي، المخرجة الأردنية الوحيدة التي اختيرت العام الحالي، برزت بأعمالها التي تعكس رؤية سينمائية مختلفة تتحدى التقاليد وتغوص في أبعاد إنسانية معقدة.
واختيرت زين إلى جانب مواهب عربية وعالمية من الممثلين، وهم أميمة بريدي (المغرب)، ماريا بحراوي (السعودية)، محسن الخالفي (اليمن)، عصام عمر (مصر)، وأعلن عنها في الدورة الرابعة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الذي يقام حاليا في جدة بالمملكة العربية السعودية.
يمثل اختيار زين دريعي ضمن هذا البرنامج إنجازا كبيرا، ليس فقط لمسيرتها الفنية، ولكن أيضا للسينما الأردنية ككل، فهو يؤكد مكانة زين كمخرجة تمتلك رؤية إبداعية متميزة ويمهد الطريق أمامها للظهور على الساحة العالمية. وتمثل مشاركتها في البرنامج فرصة لتوسيع نطاق التأثير الأردني في صناعة السينما الدولية من خلال عرض قصص ذات طابع محلي، لكنها تعكس قضايا إنسانية عامة.
وتم إطلاق برنامج “نجوم الغد العرب” لأول مرة العام 2016 في دبي، ويستمر في تقديم مواهب عربية استثنائية. وينظم هذا الحدث بالتعاون مع مهرجان البحر الأحمر السينمائي وبرعاية Film Alula، مما يضفي عليه طابعا إقليميا ودوليا. يعد البرنامج امتدادا لمبادرات مجلة “سكرين” في تسليط الضوء على المواهب الناشئة، التي شملت في السابق أسماء بريطانية وعالمية بارزة، مثل بنديكت كامبرباتش وإيميلي بلانت.
وعن اختيارها ضمن هذه القائمة، تقول زين: “اختياري ضمن قائمة نجوم الغد العرب للعام 2024 هو شرف كبير لي ومسؤولية في الوقت ذاته. إنه اعتراف بمسيرتي السينمائية ورؤيتي الخاصة، وأيضا فرصة لتسليط الضوء على السينما الأردنية الحديثة. بالنسبة لي، هذا الاختيار يعزز ثقتي في أن العمل الجاد والقصص الصادقة يمكنها أن تجد طريقها إلى الجمهور العالمي، ويجعلني أشعر أنني على المسار الصحيح في رحلتي كمخرجة تسعى لخلق أعمال تمس القلوب والعقول”.
زين، التي صنعت لنفسها اسما كأحد من أبرز الأصوات الجديدة في السينما الأردنية، بدأت مسيرتها بإخراج أفلام قصيرة تركت بصمتها في المهرجانات العالمية. فيلمها القصير الأول “أفق” العام 2013 تناول قضايا إنسانية بطريقة شاعرية، ولاقى إشادة نقدية. وفي العام 2019، قدمت فيلم “سلام”، وهو دراما نفسية عرضت في مهرجان فينيسيا ضمن مسابقة “آفاق الأفلام القصيرة” وحصل على جائزة أفضل فيلم عربي قصير في مهرجان الجونة السينمائي.
تقول زين عن هذه الأعمال: “كل فيلم أقدمه هو جزء مني، يحمل ملامح من تجربتي الشخصية ورؤيتي للعالم. فيلم سلام، على سبيل المثال، كان استكشافا لأبعاد الألم النفسي والقرارات الصعبة التي نواجهها في الحياة، وشكل نقطة تحول في مسيرتي؛ حيث أكد لي أهمية الاستمرار في البحث عن قصص حقيقية ومؤثرة. القائمة تتيح لي فرصة للتواصل مع صناع الأفلام والجمهور من مختلف أنحاء العالم، وتؤكد أن السينما الأردنية لديها ما تقدمه على الساحة الدولية. بالنسبة لي، هذه فرصة لأعرض كيف يمكن للقصص المحلية أن تكون ذات بعد عالمي وتؤثر في جمهور متعدد الثقافات”.
كما تعتقد أن الاختيار يعزز من أهمية دعم المخرجات الشابات في العالم العربي، قائلة “وجودي كمخرجة ضمن هذه القائمة هو رسالة لكل شابة عربية أن قصتها يمكن أن تصل، وأن الإبداع والعمل الجاد هما مفتاح النجاح في هذا المجال الصعب”.
“طموحي من خلال هذا الفيلم هو تسليط الضوء على وصمة العار والصمت المحيطين بالأمراض النفسية في العالم العربي. أردت أن أتناول موضوعا حساسا يواجهه كثيرون بصمت، آملاً أن يبدأ هذا العمل حوارا أوسع حول الصحة النفسية في منطقتنا”، تقول زين دريعي.
وتضيف: “أطمح لعرض الفيلم في واحد من المهرجانات الكبرى في العام 2025 بعد أن أتممنا تصويره في عمّان خلال شهر تشرين الثاني (نوفمبر). لقد كان جدول التصوير صارما للغاية، حيث كان علينا إنجازه خلال 22 يوما فقط. التحديات كانت هائلة، خاصة مع ميزانية تقل عن مليون دولار أميركي، إلى جانب صعوبة العثور على مواقع تصوير مناسبة داخل المدينة”.
الفيلم أعاد التعاون بين دريعي والمنتج علاء الأسعد من شركة Tabi360، الذي سبق أن أنتج فيلمها القصير Give Up The Ghost العام 2019. وتعلق زين على هذا التعاون قائلة: “وجود علاء كان ضروريا لإدارة المشروع وتجاوز التحديات الإنتاجية. الدعم الذي حصلنا عليه من جهات مثل صندوق البحر الأحمر، مؤسسة الدوحة للأفلام، صندوق الأردن للأفلام، والهيئة الملكية للأفلام، إضافة إلى منحة من صندوق آفاق، كان جزءا أساسيا من رحلة الفيلم”.
يتألق في “غرق” مجموعة من الممثلين البارزين، مثل كلارا خوري، وسام طبيلة، ومحمد نزار في أول دور رئيسي له. أما مدير التصوير فاروق العريض، المعروف بعمله مع كوثر بن هنية في “بنات ألفة”، فقد أضفى رؤيته الفريدة على الفيلم. تقول زين: “كان العمل مع فاروق إضافة كبيرة، فقد جلب معه أسلوبا بصريا يعكس روح القصة ويعزز المشاعر المعقدة التي يحملها الفيلم”.
زين، التي وقعت في حب السينما عندما شاهدت تيتانيك للمرة الأولى في عمر العاشرة، انطلقت في رحلتها الفنية بدراسة الإخراج وكتابة السيناريو في تورونتو. عملت بعد تخرجها في أفلام فلسطينية مع أسماء بارزة مثل آن ماري جاسر، ثم أخرجت فيلمها القصير الأول “أفق” Horizon العام 2013، وبدأت كتابة “غرق” في 2017. تقول: “أردت أن يكون هذا الفيلم تعبيرا شخصيا عن ضغوط مجتمعية نعيشها جميعا، لكن بطريقة فنية تنقل رسالة إنسانية”.
وتشرح “قصة فيلمي تدور حول الحب، فهو معقد ونقي وغير مشروط، وهو فيلم لا أي يحمل أجندات سياسية ولا يقدم أبطالاً نموذجيين، بل يتناول الأسئلة التي تتحدى تصوراتنا عن الحقيقة والخيال والطبيعي وغير الطبيعي. أردت أن أروي قصة تمس الناس في أي مكان، وأن أسلط الضوء على هشاشة الإنسان وقوته في آن واحد”.
وتتابع زين: “إقليميا، طموحي هو المساهمة في تطوير السينما الأردنية من خلال قصص شخصية تعكس ضغوطا مجتمعية، بينما أرتقي بالسرديات التي تنبع من ثقافتنا. أما عالميا، فأهدف إلى الوصول لجمهور دولي وتقديم أعمال تدعو للتأمل والحوار الثقافي. حلمي الأكبر هو أن أستمر في الكتابة والإخراج طوال حياتي، لأن هذا ما يدفعني للاستمرار كفنانة مستقلة”.
رفض التدخل الأجنبي لحماية الهوية السينمائية
تقول زين: “منذ البداية، كان واضحا بالنسبة لي أنني لن أقبل بأي تدخل أجنبي في نص الفيلم، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن تمويل أوروبي كبير. شعرت أن أي تدخل خارجي قد يمحو الهوية الأصلية للفيلم، ويحول قصته إلى شيء يرضي توقعات غريبة عن واقعنا وثقافتنا”.
وتضيف: “أردت أن يكون الفيلم انعكاسا حقيقيا لما أؤمن به كفنانة عربية، دون أن تُفرض عليه أجندات أو رؤى لا تمثلنا. رفضت العروض التي جاءت مشروطة بتغييرات في النص أو الرسالة، لأنني أؤمن بأن السينما يجب أن تعكس أصواتنا الأصيلة، لا أن تكون مجرد وسيلة لإرضاء الآخر”.
كان هذا القرار صعبا، خاصة مع التحديات الإنتاجية والتمويلية التي واجهتها زين وفريقها. “منتجي علاء الأسعد كان شريكا أساسيا في هذه الرحلة، حيث أسهم في إدارة الميزانية بشكل دقيق ليناسب احتياجات الفيلم، من دون أن نضطر للتنازل عن رؤيتنا”، بحسب زين.
تؤمن دريعي أن استقلالية الفنان هي ما يمنح العمل قوته وأصالته، قائلة “ربما جعل هذا القرار الأمور أصعب، لكنه منحني حرية كاملة لأروي القصة كما شعرت بها، من دون أي تلاعب أو تأثير خارجي. كان هدفي تقديم فيلم يمس الناس على المستوى الإنساني، ويعبر عن هويتنا بعيدا عن الصور النمطية التي يتوقع منا تقديمها”.