عبدالله العتوم

صالح سليم الحموري

by editor
18.3K views
A+A-
Reset

كنتُ أسمع باسمك يا عبدالله العتوم منذ سنين طويلة؛ اسمٌ حاضر في المجالس والذاكرة. غير أن اللقاء لم يجمعنا إلا مؤخرًا، حين جاءت جمعة الأصدقاء لتفتح نافذةً للقرب، وتشـاء الأقدار أن نلتقي وجهًا لوجه.

جلستُ معك، وقد تجاوزت السبعين من عمرك، تحمل على ملامحك بصمات السنين وعبء التجارب، لكنك استقبلتني بابتسامة صافية تُضيء الوجه، وقلت لي مبتسمًا:
“يا عمي… ليش ما عرفتك من زمان؟”
ثم أضفت بمحبة صادقة:
“أنا بتابعك وبقرأ مقالاتك في عمون.”

كانت كلماتك بسيطة في ظاهرها، عميقة في أثرها، تُشعرني أن ما يخرج من القلب لا بد أن يبلغ القلوب.

تلك الليلة كانت مختلفة… جلسنا وسهرنا، وضحكنا ودبكنا، وحين ارتفعت الأهازيج التفتَّ إليّ مبتسمًا وقلت:
“هاي سهرة من العمر.”

وبالفعل، كانت سهرةً من العمر، لحظة صافية خزّنتها في القلب.

وفي غمرة الفرح، أمسكتُ بيد العم عبدالله، وبدأنا ندبك معًا، وأقدامنا تخبط الأرض بقوة كأنها تُعلن الفرح. عندها اقترب مني ابن عمي “أبا فرح” هامسًا:
“دير بالك… بلاش يفرط من بين إيدينا، ترى العم عبدالله صحته مو على ما يرام.”

جملة قصيرة، لكنها حملت كل معاني الخوف والمحبة، كأنها دعاء بأن يبقى هذا القلب الكبير حاضرًا بيننا، رغم تعب الجسد ووهن الصحة.

ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع اتصالاته بي، حتى وأنا في دبي؛ يسأل ويطمئن، رغم معاناته مع المرض. كان صوته دائمًا يفيض حنينًا صادقًا، وشوقًا لا تُقاس به المسافة.

ياه يا عم عبدالله… تماسك، “ولا تفرط”، فأنا قادم لنسهر معًا، وندبك، ونأكل من عنب وتين الأرض التي نحب.

لقد علّمتني أن القلوب الكبيرة لا يحدها عمر، ولا تقيّدها صحة، وأن الوفاء يظل أكبر من كل تعب.

أدعو الله أن يمنحك العافية، ويطيل عمرك على الخير، ويبقيك بيننا نورًا وذاكرة لا تُمحى. فأمثالك يا عم عبدالله، هم الذين يمنحون للحياة طعمًا آخر، وللصداقة معنى لا يزول.

You may also like

Leave a Comment

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00