المهندس إياد الدحيات
يبرز مفهوم الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص كنموذج مالي وعقدي لتنفيذ مشاريع البنى التحتية المستدامة في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لكافة القطاعات الاجتماعية والاقتصادية كالمياه والتعليم والرعاية الصحية والطاقة والنقل. وتعرّف الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في مشاريع البنى التحتية بأنها عقود طويل الأجل بين أي جهة حكومية وما بين القطاع الخاص المتخصّص لتطوير وتمويل وإدارة الأصول والخدمات العامة التي تقع ضمن مسؤولية القطاع العام حصراً. وفي هذا النوع من العقود، يوفّر القطاع الخاص الجزء الأكبر من التمويل ويتحمل جزء مهم من مخاطر التشغيل والإدارة طوال فترة العقد، حيث يرتبط عائده المالي من خلال الأداء و/أو الطلب أو استخدام الأصول أو الخدمة، إما بموجب آلية يدفعها المستخدم مباشرة أو تدفع من المالية العامة للدولة.
وتتنافس حالياً العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتنفيذ مشاريع البنى التحتية بتمويل القطاع الخاص، ومنها العديد من الدول الغنية بالنفط. وعلى مدى العقد الماضي، وقّعت دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اتفاقيات شراكة بقيمة مشاريع تزيد عن 147 مليار دولار، في حين تبلغ قيمة فرص المشاريع قيد التحضير حوالي 332 مليار دولار. ولقد حقق الأردن في السنوات الـخمسة عشر الماضية نجاحاً كبيراً في تنفيذ مشاريع الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في البنى التحتية، حيث يدير حالياً محفظة قيمتها 8.5 مليار دولار تشمل حوالي 50 مشروعاً، من أهمها توسعة وتشغيل مطار الملكة علياء الدولي، استغلال الصخر الزيتي في العطارات، تركيب مزارع الرياح ومشاريع الطاقة الشمسية في المملكة، ومشروع جر مياه الديسي للعاصمة، في حين تعمل الحكومة جاهدةً على إنجاز الغلق المالي لأكبرها على الإطلاق وهو الناقل الوطني لتحلية المياه هذا العام.
ولقد كرّست الحكومة في المرحلة الأولى لرؤية التحديث الاقتصادي (2023-2025) وقتاً وموارداً لوضع إطار جديد لإدارة الشراكة بين القطاعين العام والخاص كأحد الإصلاحات الاقتصادية بهدف تعزيز إدارة المالية العامة من خلال تقليل تعرضها لمخاطر الالتزامات المالية الصريحة المباشرة والطارئة الضمنية الناتجة عن هذه المشاريع. وشمل هذا الجهد تنفيذ مزيج من الإصلاحات السياسية والتشريعية وتوفير الدعم المؤسسي بما في ذلك إصدار قانون جديد للشراكة ما بين القطاعين العام والخاص عام 2023 لتطوير وتمويل وإدارة الأصول والخدمات العامة.
ومع السير في إعداد وتنفيذ برنامج عمل المرحلة الثانية من رؤية التحديث الاقتصادي (2026-2029)، حان الوقت لعودة الأردن كدولة رائدة في سوق الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من النجاح الأخير في تحسين التصنيف الائتماني السيادي الأردني من وكالتي (موديز) و(ستاندرد أند بور) الذي سيسهم في جذب وتحسين شروط التمويل الخاص لأولويات البنية التحتية. وفي هذا السياق تبرز أربع عوامل نجاح يجب أخذها بالإعتبار وكما يلي:
أولاً: تطوير برنامج لمجموعة مشاريع شراكة استرتيجية وقطاعية (Program of Projects Pipeline) حيث أن المطوّرين أكثر انجذباً إلى الأسواق التي تتوفر فيها مشاريع على شكل برامج مستمرة طويلة الأمد. في العديد من البلدان، تحقق برامج الشراكة تقدماً أبطأ مما يجب، ليس بسبب عدم وجود تمويل أو عدم استيفاء معايير الجدوى المالية والتجارية، ولكن بسبب عدم وجود عدد كاف من هذه المشاريع المناسبة والمعدّة بشكل جيد. وبالتالي يجب إعداد فرص مشاريع متعددة الحجم ومجدية تجارياً مع نسب مخاطر/عائدات متوازنة وذات قيمة اقتصادية واضحة وأن تكون معقولة التكلفة، مما يقلل من تكاليف القطاع الخاص ويبني الثقة في السوق. لذلك، فإن وجود مثل هذه البرامج أمر بالغ الأهمية لتعزيز تطوير البنية التحتية من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وجذب المطوّرين والمستثمرين العالميين وصناديق الثروة والبنوك التجارية بدلاً من بحثهم عن الفرص في بلدان أخرى.
ثانياً: إشراك المطوّرين من القطاع الخاص في مرحلة مبكرة من أي مشروع لتقديم التغذية الراجعة (Market Sounding) وتقييم جدوى المشروع وقدرته على جذب عدد كاف من المناقصين والمنافسة وتحقيق الغلق المالي من منظور المستثمرين العالميين وصناديق الثروة والبنوك التجارية. هذا يساعد أيضا في التواصل مما يسمح للشركات المهتمة بالبدء في التحضير للعطاءات المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون للتغذية الراجعة التي يتم الحصول عليها خلال هذه المرحلة تأثيرات كبيرة على النموذج المالي والمتطلبات الفنية وهيكل العقد المبدئي وتحسين وصف المشروع من المنظورين الفني والمالي.
ثالثاً: تصميم وإعداد عطاءات مشاريع الشراكة بشكل متوازن من خلال نقل المخاطر للطرف الأقدر على إدارتها والسيطرة عليها (Risk Allocation Structure) ، حيث يؤدي ذلك إلى ارتفاع القدرة على التنبؤ والإلتزام بالجداول التنفيذية والزمنية والمالية واستقرار التدفق النقدي المتأتي من المشروع والضروري لتغطية متطلبات خدمة الدين وتمتع القطاع العام بالجدارة الائتمانية. وكلما كان المشروع أكثر توازناً، زادت إمكانية الحصول على تمويل بشروط أفضل (مدة القرض وتكاليفه).
رابعاً: اعتماد وتطبيق نماذج وأدوات تمويلية مبتكرة يتم فيها توجيه جزء من المنح والقروض التمويلية في الموازنة الرأسمالية القطاعية لتغطية جزء من كلفة مشروع الشراكة مع القطاع الخاص الرأسمالية (Viability Gap Account)، مما يسهم بشكل كبير في زيادة جدوى المشروع التجارية والمالي(Project Bankability) وبالتالي القدرة على تأمين العائد المطلوب لتمويل واستثمار الصناديق الاستثمارية وقروض البنوك التجارية الممولة للمشروع وتخفيف الكلف على المستخدم و المالية العامة للدولة.