Home اختيارات رئيس التحريرعيد بأي حال عدت يا عيدُ

عيد بأي حال عدت يا عيدُ

بقلم: صالح الشرّاب العبادي

by editor
66.1K views
A+A-
Reset

ها قد ودّعنا شهر الخير والبركة، شهر الرحمة والمغفرة، الذي مضى سريعاً كأنه لم يكن سوى ضيف عابر في أيامنا، يحمل بين طياته دروساً عظيمة في الصبر والتراحم والإحسان، جاء رمضان ليعلّمنا أن الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو مدرسة لتقويم النفس وتهذيب الأخلاق، حيث يتذوق الغني مرارة الجوع ليشعر بآلام الفقير، ويعطف القوي على الضعيف، وترتقي النفوس بالتقوى والسكينة، ومع انقضاء هذا الشهر الفضيل، نستقبل عيد الفطر المبارك، عيد الفرح والسرور، الذي جعله الله هدية للمؤمنين بعد أن صاموا وقاموا، وخرجوا من رمضان وقد غسلوا ذنوبهم وصقلوا أرواحهم.

لكن أي فرح وأي بهجة يمكن أن يتسللا إلى قلب شعبٍ بات العيد فيه مرادفاً للحزن والألم؟ هناك، في غزة، يمر العيد كسائر الأيام، لا يعرف الفرح إلى دروبه سبيلاً ، في غزة، العيد ليس سوى ذكرى باهتة لأيام مضت حين كانت للعيد ألوانه وصخبه وابتساماته ، أما اليوم، فلا شيء سوى الجوع والحصار والعطش، سوى بيوت مدمرة وأحلام مقيدة وأسقف منهارة ، في غزة، لا تضيء الشوارع بالفوانيس، ولا تصدح المساجد بتكبيرات العيد كما يجب، لأن صوت القصف أعلى من صوت الفرح، ولأن أنين الأطفال اليتامى يطغى على ضحكاتهم التي اختطفها الاحتلال منذ زمن بعيد.

لله دركم يا أهل غزة، كيف تصومون وأنتم صائمون أصلاً عن كل شيء؟ عن الطعام، عن الأمان، عن الحياة الطبيعية ، في غزة، الصيام ليس شهراً ينقضي، بل هو صيام دائم فرضته آلة الحرب الإسرائيلية التي تحاصر الماء والغذاء والدواء، وتجعل من رمضان امتحاناً آخر للبقاء ، ومع ذلك، ورغم كل هذا الألم، نجد أهل غزة في صمودهم مدرسة جديدة في الصبر والثبات، يواجهون الحصار بالقناعة، والموت بالأمل، والحرمان بالكرامة.

يأتي العيد ليذكرنا بأن الفرحة ليست مكتملة إن لم تكن جماعية، وأن البهجة الحقيقية تكمن في التراحم والتعاضد، وفي مد يد العون لمن هم بأمس الحاجة إليها ، فما معنى أن نفرح بملابس جديدة وأعياد مزينة، وهناك من لا يجد كسرة خبز تسد جوعه؟ وما معنى أن نلهو ونمرح، وهناك أطفال في غزة لا يعرفون سوى طعم الدموع والخوف والتشريد؟ العيد الحقيقي هو أن نتذكر هؤلاء، أن نمد إليهم ما نستطيع من دعم، أن نشعر بآلامهم، ونتضامن مع محنتهم، وندعو الله أن يرفع عنهم الظلم والقهر، ويعيد إليهم بهجة العيد التي يستحقونها.

أيها العيد، بأي حال عدت على غزة وأهلها؟ بأي وجه أطللت على هذا الشعب الذي ما عاد يعرف سوى الحصار والدمار؟ ومع ذلك، فإنهم يلبسون ثوباً من الأمل لا يمكن لأي قوة في الأرض أن تنتزعه ، فهم رغم الألم يحتفلون بالصلاة والدعاء، يحتفلون بالأمل المتجدد بأن الفرج قريب، وأن الله معهم ولن يخذلهم أبداً.

في هذا العيد، دعونا نتذكر أن انتهاء شهر رمضان لا يعني انتهاء الالتزام والعمل الصالح ، لا يعني انتهاء التراحم والتكافل. ما تعلمناه في هذا الشهر ينبغي أن يكون منهجاً لحياتنا بأكملها، نصوغ به علاقاتنا، ونجعل منه دليلاً للإنسانية في أبهى صورها ، فلنجعل العيد فرصة لزرع البسمة على وجوه من حولنا، ولنتذكر أن غزة ليست مجرد مدينة تعاني الحصار، بل هي رمز الصمود والإيمان، وهي صوت الحرية الذي لن يخبو مهما حاول المحتلون إسكاته.

لله دركم يا أهل غزة، عيدكم عيد الصابرين المرابطين، عيدكم عيد الكرامة والعزة التي لا تنحني ، لكم منا الدعاء بأن تنتهي هذه الأيام الحالكة، وتشرق شمس الحرية فوق أرضكم، فتعودوا إلى أعيادكم الحقيقية، وتعود إلى غزة بهجتها المسلوبة.

You may also like

Leave a Comment

اخر الاخبار

الاكثر قراءة

جميع الحقوق محفوظة العموم نيوز

Are you sure want to unlock this post?
Unlock left : 0
Are you sure want to cancel subscription?
-
00:00
00:00
Update Required Flash plugin
-
00:00
00:00