إن خسارة هاريس في ولايات مفتاحية مثل ويسكونسن وبنسلفانيا وميتشغان ونورث كارولاينا وجورجيا ونيفادا وأريزونا لم تكن سوى صدى لتلك الندوب العميقة التي حفرتها مشاهد الإبادة في غزة في قلوب مئات الآلاف من العرب والمسلمين القاطنين في هذه الأراضي. إنّنا أمام مشهد لم يكن فيه الناخب مجرد صوت يُلقى في صندوقٍ بلا حياة، بل كان وجداناً، وضميراً، وعقيدة.
تجاهلت هاريس وجراح غزة تنزف، ولم تدرك أن هذا النزف سيتحول إلى فيضان غضب في صناديق الاقتراع. فهل يُعقل أن تجلس على عرش السياسة وتتجاهل آهات أمة؟ هل تُقْدم على حكم شعب متنوع الثقافات، فتستثني تلك الأصوات التي أتت حاملةً معها قضية لا تهدأ؟
غزة ليست مجرد جغرافيا مُحْتلة، بل هي فكرة متجذرة في العقول وشرارة متقدة في الأرواح. وحين أغفل الساسة عمق تأثير هذه الشرارة، جاء الرد من حيث لم يحتسبوا. خسرت هاريس بسبب عيون لم تنم على وقع المذابح، وقلوب امتلأت بأسى لا يوصف، فامتنعوا عن دعمها، بل وربما مالوا صوب منافسها كرد فعلٍ على تجاهلها المستفز لقضية مقدسة في ضمائرهم.
الناخب العربي المسلم ليس رقماً تافهاً في حسابات الساسة، بل هو ميزان يتحرك حين تُثار قضيته الكبرى. واليوم، حين يجلس البعض على أرائكهم ويجادلون بأن غزة لم تكن عاملاً، فهم يجادلون عقولاً أعمق من أن تُخدع، وقلوباً أسمى من أن تتغافل. غـزة لم تكن سبباً وحيداً، لكنها كانت رمحاً في خاصرة حملةٍ نسيت أن كل قضية تنبض بالعدل هي قضية قادرة على تغيير مصير أمّة.
الاستاذ يحيى الحموري: