رضخت حكومة نتنياهو لضغوط المجتمع الدولي، ووافقت على هدنة إنسانية تسمح بدخول المساعدات الإغاثية لقطاع غزة المنكوب. وحسب تصريحات نتنياهو، فإن النافذة الإنسانية ستبقى مفتوحة خلال الفترة المقبلة، حتى مع تعطل المفاوضات المؤقت أو استئنافها في وقت لاحق.
دفع الفلسطينيون في غزة ثمنا فادحا قبل الوصول إلى هذه النقطة. المئات فقدوا حياتهم عند نقاط توزيع المساعدات التي أقامتها مؤسسة غزة. ولم تستطع هذه الآلية غير الإنسانية وغير الأخلاقية من أن تكون بديلا عن منظمات الأمم المتحدة، وفشلت في توفير الحد الأدنى من الغذاء لسكان القطاع الذين واجهوا المجاعة بأبشع أشكالها.
لا نعرف على وجه التحديد مدى صدق نوايا حكومة نتنياهو في إبقاء المعابر مفتوحة لدخول المساعدات، ولو بمعدل يقل عن حاجة الناس هناك. لكن مسؤولية المجتمع الدولي، مواصلة الضغط على إسرائيل لضمان تدفق المساعدات بوتيرة أكبر، إلى حين التوصل إلى اتفاق شامل ينهي معاناة أكثر من مليوني فلسطيني.
هذا الأمر يتطلب مقاربة ذكية من الوسطاء، والدبلوماسية العربية النشطة، للوصول إلى معادلة يتم بموجبها فك الارتباط بين الأهداف السياسية لكلا الطرفين؛ حركة حماس وإسرائيل، وبين الجانب الإنساني لسكان القطاع الذين كانوا ضحايا لصراع على نتائج الحرب بين الطرفين.
لقد استخدمت إسرائيل حرب الإبادة الجماعية، والحصار والتجويع وهدم المنازل، على نطاق واسع كسلاح لإخضاع حماس، واستسلامها، وانتهى الحال إلى أكبر مأساة إنسانية يشهدها عصرنا الحالي، يقتل فيها هذا العدد من المدنيين، ويهدم فيها هذا العدد من الأحياء والمنازل.
حركة حماس من جانبها، رفضت مبدأ إلقاء السلاح، والخروج من اللعبة السياسية في القطاع، ولأجل ذلك تمسكت بورقتها الأخيرة المتمثلة بالأسرى الإسرائيليين للوصول إلى اتفاق ينهي الحرب، ولا يمس دورها وحضورها في غزة. كان ثمن هذا الموقف باهظا على الفلسطينيين، وعلى الحركة نفسها، التي خسرت معظم قادتها في المواجهة الوحشية الدائرة في غزة.
أعتقد أن الطرفين بلغا نقطة، يمكن معها البحث عن طريق جديد للمسار التفاوضي، يجنّب المدنيين مزيدا من الخسائر، ويوفر حدا معقولا من الحياة الكريمة لهم، إلى حين توفر الظروف المناسبة لإبرام صفقة سياسية، تضع نهاية لهذا الصراع المدمر.
لم يعد بمقدور المدنيين في غزة أن يتحملوا أكثر من ذلك. المجتمع الدولي صار مستعدا أكثر من أي وقت مضى للانتفاض في وجه إسرائيل. ليس قليلا ما أقدمت عليه فرنسا من اعتراف بالدولة الفلسطينية، وقد نشهد في وقت قريب دولا تسير على نفس الطريق. ماذا سيكون موقف إسرائيل لو فعلتها بريطانيا؟!
صورة إسرائيل كدولة مارقة تمارس إرهاب الدولة المنظم، أصبحت هي الطاغية في عواصم وشوارع عالمية. أقرب حلفاء إسرائيل لم يعودوا قادرين على تصور أفعالها أو الدفاع عنها.
حركة حماس لم يعد لديها أجوبة مقنعة لمليوني غزي يموتون بالمئات يوميا من أجل استمرار حكمها وسلاحها في قطاع لم يعد فيه حجر على حجر. لقد فقدت سرديتها ما كان فيها من وجاهة قبل السابع من أكتوبر. والمقاومة التي وجدت أصلا لحماية الأرض والشعب، ها هي تدفع بهم نحو انتحار جماعي، وتفاوض على انسحاب المحتل من أمتار هنا وهناك.
لقد حان الوقت لإخراج سكان القطاع من هذه المعادلة المميتة، وتسوية الصراع بعيدا عنهم، لعلهم يحظون بفرصة للحياة من جديد.