عدنان نصار
كل المؤشرات تقول أن العدوان الاسرائيلي الهمجي على قطاع غزة، وصل خط النهاية ، وهي نهاية إن حدثت خلال الأسبوعين المقبلين ، تكون نهاية سجلت فيها حماس ما أمكن من الثبات والصمود في وجه المارقين ، رغم حجم الألم الذي رافق قطاع غزة منذ ما بعد عدوان السابع من أكتوبر قبل الماضي ..ألم الفقد ، والدمار ،والتشريد والتجويع والبرد اللئيم ..وجرح غائر في خاصرتنا العربية والإسلامية والإنسانية ، لهول الدم الذي سال على عتبات مدن القطاع وكل متر فيه .
محادثات الدوحة على مدى عدة جلسات بين الأطراف المعنية بإتفاق وقف العدوان ، مستمرة منذ أكثر من سنة ، واليوم الأثنين أتجه رئيس الموساد الإسرائيلي الى العاصمة القطرية ، بعد منح الفريق الاسرائيلي المفاوض صلاحيات أوسع من قبل المدعوق بنيامين نتنياهو..فهل تخرج جلسة الدوحة اليوم بنتائج توقف العدوان .؟ للإجابة على السؤال ، لا بد إبتداء من الدخول في كواليس ما يحدث من ضغوطات سواء على حماس أو ضغوطات داخل المجتمع الاسرائيلي ، وما بينهما من متغيرات سياسية عالمية وأقليمية ، أدت بالنتيجة الى الإسراع في وقف العدوان الاسرائيلي ، وإتمام صفقة التبادل بين حماس واسرائيل ..فحديث الصفقة أخذ أكثر من شوط إضافي من الوقت دون التوصل لإتفاق بعد مماطلة إسرائيلية مكشوفة تهدف الى توسيع دائرة القتل في غزة ، وإطالة أمد العدوان لأسباب تتعلق ببقاء حكومة نتنياهو أطول وقت ممكن ، وهذا عمليا ما حدث ..فالعدوان طال ، والقتل زاد ، والتدمير إتسع ، والبرد والتشرد والجوع ، وأسباب ربما فقدت خاصية الصبر ، كلها سارعت في رفع وتيرة “حمساوية” عربية إنسانية للإخذ بأسباب وقف العدوان ، والتوصل الى إتفاق يسرع في الوصول الى خط النهاية .
الصورة ، وإن كانت ضبابية في رؤية المشهد السياسي والعسكري داخل حماس بعد التحولات التي حدثت مؤخرا من مثل خروج حزب الله من المساندة ، وإعادة تموضع إيران سياسيا وإقليميا ودوليا ، وترتيب أوراق طهران ، لم يعد هناك سوى الإرادة داخل حماس لمواصلة القتال ضمن إمكانيات ذاتية ، وهي من الناحية العسكرية غير متكافئة بين عدوان يملك أعتى أنواع الأسلحة تدميرا وقتلا بتوقيع الصناعة الأمريكية ، وبين قدرات حماس العسكرية بعد نحو 15شهرا من الثبات والصمود في وجه الغزاة .
محادثات الدوحة ، اليوم الأثنين ، يبدو ووفق التسريبات الإعلامية تبدو أكثر إستجابة لوقف العدوان ، وإنهاءه في غضون أسبوعين ، وهو ما صرح به بلينكن وزير خارجية أمريكا أمس ، وما صرحت به حماس من موافقة ومرونة في الموقف تتوافق مع الشروط ، وتتناغم مع الوسطاء وكافة الأطراف .
تصريحات بلينكن أمس ، لم تأتي من فراغ ، بل أستندت الى قرار أمريكي في البيت الأبيض قبل وصول ترمب اليه ..وهو بطبيعة الحال ما يعطي إشارة واضحة أن خط النهاية أقترب أكثر من أي وقت مضى .
العالم بأسره ، يقف على كف عفريت ، فيما تقف منطقتنا العربية على ضفاف الإنشغال الداخلي بما يمكن تسميته بإعادة التموضع في عالم تتسارع فيه الأحداث السياسية ، وأثر ذلك المتغير على منطقتنا العربية بكل تفاصيلها الجغرافية والسياسية ، بما في ذلك بالطبع فرط الهلال الشيعي ، وتقدم أنقره في منطقتنا ، وتراجع دور روسيا ، وتقدم سريع للدور الأمريكي ..صحيح ان ترمب صرح أول أمس :”ان فك الإرتباط مع الشرق الأوسط بات ضرورة ملحة” غير ان هذا التصريح قابل للتراجع لأسباب مصلحية بحته تربط أمريكا بالمنطقة العربية ..وتبدو الرغبة الأمريكية بإنهاء “الحرب” في غزة آخذة بالازدياد لبدء مرحلة جديدة وفق إدارة ترمب بعد تسلمه الرئاسة في العشرين من الشهر الحالي .
كل هذه المتغيرات ، بما في ذلك خروج حماس من غزة كما تتناقل الأخبار والتسريبات ، مقابل ضمانة عدم إستهدافهم من قبل إسرائيل ، وتسليم السلطة في غزة الى منظمة التحرير بمشاركة أطراف عربية مساندة ، هو في الغالب ما سيحدث في قادمات الأيام تحت ضغوط دولية وعربية وفلسطينية وأقصد منظمة التحرير ..فالكف لا يواجه مخرز بعد كل هذا التكالب على حركة حماس ، ومواجهتها لأعتى عدوان همجي اسرائيلي عرفه التاريخ الحديث .
في العرف والواقعية السياسية ، نعرف إن القوي يفرض الشروط ، والضعيف صوته ضعيف وأن أمتلك بوقا قويا ..فما حدث على مدى 15 شهرا من عدوان همجي كان يفرض بشروط القوة الإمريكية وعواصم غربية ..فيما إكتفينا نحن أمة العرب والإسلام بإستخدام أبواقنا وشجبنا وإستنكارنا وإدانتنا ..إكتفينا بهذا الدور ، فيما كان أطفال غزة يشكلون حالة من الإمامة لنصلي خلفهم صلاة الصابرين .