ما حدث في إسبانيا والبرتغال لم يكن مجرد انقطاع كهربائي عابر، بل كان لحظة فارقة كُشف فيها زيف شعورنا بالأمان الرقمي، وظهرت هشاشة الحضارة الحديثة بكل ما فيها من بريق. خلال ساعات معدودة، عادت دولتان من دول أوروبا المتقدمة إلى ما يشبه العصر الحجري، وانكشفت أمام العالم حقيقة مرعبة: أننا نعيش فوق شبكة رقيقة من التكنولوجيا، يكفي أن تنهار لينهار كل شيء معها.
الحدث: سقوط إلكتروني شامل
انقطاع الكهرباء شلّ الحياة في إسبانيا والبرتغال، ووصلت آثاره إلى أجزاء من فرنسا، بل وتردد صداه في المغرب والجزائر ، لم تسلم شبكة مترو أو مطار أو بنك أو مستشفى ، شلت شبكات الاتصالات برمتها ، توقفت المصارف والمصانع ، توقف كل ما يعتمد على الطاقة، أي كل ما نعتبره “الحياة الحديثة”. لم تكن هناك حرب، ولا زلزال، فقط لحظة صمت كهربائي أسقط حضارة بأكملها.
التحقيقات الأولية تشير إلى أسباب طبيعية ، ارتفاع درجات الحرارة وتضارب التيارات الهوائية ، بينما تلوح في الأفق فرضية الهجوم السيبراني، وهو ما يضاعف الخطر: هل يمكن لقراصنة في زاوية ما من العالم أن يعيدوا دولًا إلى العصر البدائي خلال دقائق؟ الإجابة: نعم، بل وأسهل مما نتصور.
الرسالة: الحضارة ليست راسخة كما نظن
ما حدث لم يكن حادثاً فنياً، بل كان جرس إنذار عالمي ، لقد اكتشفنا أننا ربطنا بقاءنا اليومي بأنظمة تعتمد على سلكٍ واحد، وبرمجيات معقّدة، وشبكات هشّة ، حضارتنا الرقمية متقدمة تقنياً، لكنها فقيرة إنسانياً؛ بلا بدائل، بلا خطط طوارئ حقيقية، بلا حياة خارج الأسلاك.
الأسوأ من ذلك أن الحدث لم يكن غير متوقع ، علماء ومفكرون منذ سنوات ينذرون من أن التقنية بدون احتياط ليست تقدماً بل انتحارًا حضارياً بطيئاً ، الآن فقط بدأنا نفهم ما كانوا يقولونه.
السؤال الخطير: ماذا لو تكرر؟
ماذا لو حدث هذا الانقطاع في ألمانيا؟ في أمريكا؟ في الصين؟ بل ما ذا لو حدث في دولة نامية لا تملك بنية تحتية مرنة؟
ماذا لو تكرر أكثر من مرة؟
من يملك البدائل؟
من يملك القدرة على إدارة حياة بلا شاشات؟
لقد رأينا كيف تهاوت الدول المتقدمة أمام اختبار بسيط ، فهل نحن ( في منطقتنا العربية بشكل عام وفي وطننا الأردن بشكل خاص ) نمتلك خططًا إنقاذية، أنظمة مستقلة، حلولاً للطوارئ، أو حتى فهمًا لحجم المشكلة؟
الحل: بدائل لا ترقيعات
الردّ لا يكون بالتغني بالذكاء الاصطناعي، ولا بزيادة عدد الأقمار الصناعية ولا بالتحول الرقمي ولا باستخدام التطبيقات ، بل بالعودة إلى القاعدة: الإنسان أولاً، والبنية المرنة ثانيًا.
• يجب إنشاء شبكات طاقة لامركزية تعتمد على مصادر متعددة: شمسية، رياح، ادوات محلية بديلة .
• يجب توفير أنظمة تشغيل هجينة: تسمح بالعودة إلى الإدارة اليدوية عند الحاجة.
• يجب بناء خطة تعليمية تعيد المهارات البدائية إلى الأجيال الجديدة: الزراعة، الطب البديل، الصيانة اليدوية، الاتصالات السلكية واللاسلكية التقليدية.
• ويجب قبل كل ذلك وضع استراتيجيات طوارئ وطنية تشمل الطاقة، الاتصالات، الخدمات الطبية والمالية، المرور ، والقدرة على العيش خارج المنظومة الرقمية مؤقتًا.
في الختام لا وقت للترف الفكري
ما جرى في أوروبا لم يكن نهاية الحضارة، لكنه اختبارها الأول الحقيقي. وقد فشلت ، فهل ننتظر حتى يصل الدور إلينا، أم نبدأ من الآن؟
على الحكومة واجهزتها أن تتحرك فورًا، فالأزمة ليست في انقطاع الكهرباء، بل في انقطاع الحياة.
وقد تنقطع مجددًا، وفي أي مكان، وبلا إنذار.