22
كتب :محمد الطّورة
شكّلت كلمة حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظّم خلال افتتاح القمّة العالميّة الثالثة للإعاقة (2025 GDS) والتي تُعقد حاليًا في العاصمة الألمانيّة (برلين) بتنظيم وتنسيق من الحكومتين الأردنيّة والألمانيّة والتحالف الدولي للإعاقة استقراءً دقيقًا لواقع ذوي الإعاقة والتحدّيات والعراقيل التي تَحول دون حصولهم على الحقوق الإنسانيّة الطبيعيّة لهم، ولم يفت جلالته التطرق إلى معاناة أهلنا في قطاع غزّة، خصوصًا، من تعرّضوا لإصابات تسببت لهم بإعاقات؛ وهذا ينمّ عن رؤية جلالته كإنسانٍ في البدء، وكقائدٍ يُدركُ المعاني السامية لتلك الحقوق، فقبيل وصوله للمشاركة في القمة العالميّة الثالثة للإعاقة؛ زار جلالته مركز البنيّات للتربية الخاصّة، ناهيك عن اهتمام جلالته منذ تسلّمه سلطاته الدستوريّة بحقوق ذوي الإعاقة اهتمامًا جوهريًا، ومَنْ عَمِل مع جلالته؛ يوقن بما لا يدع مجالًا للشك أنّ ملف حقوق ذوي الإعاقة يمثّل بالنسبة إليه أولويّةً من الأولويّات الوطنيّة، وهنا؛ تتبدّى الصفات والسمات الإنسانيّة المتأصلة في قيم جلالته وأفكاره، ولا نُريدُ أنْ نسهبَ في هذا الشأن؛ لأنّنا نرى في الإنجازات -كما يحثّ جلالته- أداة قياس لما نكتبه ونسرده.
في آذار من العام 2005؛ فازت المملكة الأردنيّة الهاشميّة بجائزة روزفلت الدولية للاعاقة التي تسلمها جلالة الملك عبدالله الثاني. إن فوز المملكة الاردنية الهاشمية بجائزة روزفلت الدولية للإعاقة هو اعتراف راسخ وتقدير جليل من قبل الهيئة الدولية المعنية بالجائزة للدور الرائد للمملكة الاردنية الهاشمية ملكا وحكومة وشعبا لمساعيها الحثيثة البناءة وجهودها المتواصلة الفعالة نحو العمل في ارساء دعائم القواعد الاساسية لبرامج الامم المتحدة نحو تأمين حقوق الاشخاص ذوي الإعاقة والتي تتضمن تصورات وبرامج ومناهج وخططا عديدة، وفي عام 2007 فازت المملكة مرّةً أخرى بجائزة روزفلت الدولية للإعاقة التي تسلمها جلالة الملك، وفي العام ذاته أيضًا؛
تم إنشاء المجلس بموجب قانون حقوق الأشخاص المعوقين رقم 31/2007، تحت اسم المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين برئاسة صاحب السمو الملكيّ الأمير رعد بن زيد وأصبحت الإعاقة ضمن ـولويات الأجندة التنمويّة للمملكة.
أمّا في العام 2008 فقد تمت المصادقة على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وفي مجال التكنولوجيا المعاصرة؛ أطلق المجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بالتعاون مع مركز القيادة والسيطرة في مديرية الأمن العام وشركة زين خدمة المكالمات المرئية للأشخاص الصم (114) والذي يوفر خدمة التواصل المباشر للصم مع الجهات المسؤولة بلغتهم الاشارية دون وسيط ودون تأخير في الحالات الطارئة.
لكنّ التطور النوعيّ الذي يدلّل على حرص جلالته في تطبيق رؤيته حيالَ حقوق ذوي الإعاقة؛ فقد تجسدت بتعيين الدكتور مهند العزة أول شخص من ذوي الإعاقة البصريّة في مجلس الأعيان السادس والعشرين، وفي عام 2017؛ صدر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (20) لسنة 2017
الذي يعد أول قانون مناهض للتمييز ضد الأشخاص ذوي الإعاقة في المنطقة العربية، ويتميز بأنه يفرض على جميع الوزارات، والمؤسسات العامة تضمين قضايا حقوق الإعاقة في الاستراتيجيات والخطط والبرامج، بما يكفل وصولهم الى كافة الخدمات والمرافق، وتحديد أطر زمنية على كل جهة للقيام بالتزاماتها تجاه هؤلاء الاشخاص، وفي العام ذاته؛ تم إدراج تعديلات جوهرية على قانون العقوبات الأردني في عام 2017 حيث جعلت من ارتكاب جرائم الإيذاء الجسدي والاعتداء الجنسي والترك والإهمال في الرعاية والاحتيال على أساس الإعاقة ظرفاً مشدّدًا يستوجب توقيع الحد الأقصى من العقوبة المقررة لهذه الجرائم.
ما ذكرته آنفًا ليس سوى غيض من فيض ما أنجزه الأردن بقيادة حضرة صاحب الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يعضده سمو ولي العهد الحسين ابن عبدالله الثاني، يضاف إلى ذلك؛ دور صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبدالله التي لم تتوانَ عن إبراز دور الأردن تجاه حقوق ذوي الإعاقة، وأيضًا؛ دورها في قيادة الجهود الإنسانيّة لحشد الدعم لهم ما أمكن.
ولا أذيع سرًّا أنّه منذ أربعة عقود حباني الله بابنيْ التوأم اللذين يعانيان منذ ولادتهما من مرض نادر هو الأول من نوعه على مستوى العالم؛ الأمر الذي جعلني أجيّر وقتي وجهدي لرعايتهما وجعلهما قادريْن على ممارسة حياتهما كما أقرانهم، ومما لا بد من ذكره؛ أنّ جلالة المغفور له الملك الحسين ابن طلال طيب الله ثراه ومن بعده جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه كان لهما الدور الإنسانيّ الكبير في تسهيل علاجهما في الولايات المتحدة الأمريكيّة وبريطانيا؛ مما أدّى إلى التقليل من معاناتهما وتوفير كافّة مقومات الحياة اللائقة لهما؛ وهذا دأب الهاشميين كابر عن كابر.
سيبقى الأردن بقيادته وشعبه موئلًا لكلّ مواطنيه أياً كانت منابتهم وأصولهم، وسيظل عنوانًا ساطعًا لدولة القانون والمواطنة، ونموذجًا فائقًا في دعم كافّة الشرائح والفئات، وفي مقدمتهم؛ ذوي الإعاقات الخاصة.