70
تُدشِّنُ الزيارةُ الاستثنائيّةُ لجلالةِ الملك عبدالله الثاني ابن الحسين إلى الولاياتِ المتحدّة الأمريكيّة تحوّلًا استراتيجيًّا في مسار العلاقات الأردنيّة- الأمريكيّة التي طرأتْ عليها في الآونة الأخيرة تطوّرات ومتغيّرات وتجاذبات متصلة بمجريات الأحداث في المنطقة، إلّا أنّ ذلك لم يؤدِ إلى تَضعضع هذه العلاقة التاريخيّة ذات الطابع الشراكيّ.
كمواطن أردني عملَ أكثرَ من ثلاث عقود في السفارات الأردنية في كل من لندن وواشنطن ؛ أستطيعُ الجزمَ بأنّ الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة من رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين ينظرون إلى المملكة الأردنيّة الهاشميّة كدولة إقليميّة فاعلة ومحوريّة، ولهذا؛ حرصت هذه الإدارات بالرغم من اختلاف رؤاها وتباين أفكارها على مواصلة الدعم للمملكة، وبالمقابل؛ لم يكن هذا الدعم متعارضًا مع ثوابت الدولة الأردنيّة ومصالحها الحيويّة والعُليا، وليس أدلّ على ذلك من موقف جلالة الملك الرافض لأيّة مشاريع تهجيريّة للشعبِ الفلسطينيّ في قطاع غزّة والضّفة الغربيّة، وكان جلالته -و لا يزال- صادحًا بهذا الموقف التاريخيّ والجسور دون إيلاء الحملات الإعلاميّة التحريضيّة التشكيكيّة أيَّ اهتمام، فـ”كلا” جلالتهُ لا ريبَ فيها ولا وجل.
أُدرِكُ ضمن قراءة دقيقة لمشهديّة لقاءات جلالة الملك مع المسؤولين الأمريكيين وأركان المؤسسات الأمريكيّة أنّ جلالته يحظى باحترامٍ وفيرٍ من هؤلاء؛ ليسَ فقط لحصافة سياسته، والتزامه بمصالح شعبه وأمّته، بل لأنّ جلالتهُ مستشرفٌٌ للتحوّلات في المنطقة؛ وهو سياسيٌّ يُدرك ما هو “فن الممكن”، وقد أصغيتُ لأحاديث عدد من المسؤولين العرب وغير العرب في لندن خلال حضور ندوات سياسية، عبروا فيها عن مدى إعجابهم بسياسة جلالة الملك وحكمته، وقدرته على عبور الأزمات والملّمات، ومحافظته على استقرار الأردن ومصالحه، ودفاعه عن ثوابت الأردن وهويّته الوطنيّة.
لقد شكّلت هذه الزيارةُ الاستثنائيّة كما ذكرتُ في مقدّمة المقال تأسيسًا لتحوّل آخر في مجرى العلاقات الأردنيّة- الأمريكيّة؛ وهو تحوّل مرتكزٌ على استدامةِ الشراكة البينيّة، واجتراح مقاربات للصراعات المتأججة في المنطقة دون حلول إجحافيّة تُفاقِم تلك الصراعات أو تُعيد إنتاجها بأشكالها الطائفيّة والقوميّة والعرقيّة.