لا رهان على الأجندات والقوى الدولية والإقليمية لوضع حدّ لسياسات حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية في المنطقة في المرحلة القادمة، سواء ما يتعلّق بالضفة الغربية والقدس أو ما يتعلّق بمحاولة فرض نظرية أمنية واستراتيجية جديدة على الإقليم، في كل من سورية ولبنان، ولا يوجد منافس اليوم للعمّ سام في المنطقة.
تلك هي أهم الخلاصات والاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من ورشة عمل مغلقة بعنوان روسيا والعالم الإسلامي (منتدى الخبراء)، عقدها مركز بريماكوف للتعاون الدولي، في العاصمة موسكو، بحضور عدد من الخبراء العرب والروس والإيرانيين والأتراك .
هنالك ابتعاد روسي ونأي بالنفس بدرجة كبيرة عن التورط المباشر بمشكلات وقضايا المنطقة؛ فالأولوية الرئيسية لديهم هي الحرب مع أوكرانيا، وتأطير العلاقة المستقبلية مع أوروبا ودول الجوار، ولا تبدو منطقة الشرق الأوسط من المناطق التي تمثّل أولوية في السياسة الخارجية الروسية اليوم، ولا يريدون الانخراط في صراع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب حولها، بل هم يتجنبون ذلك، وقد قام الرئيس الروسي بتأجيل القمة العربية- الروسية إلى أجل لاحق، كبادرة حسن نوايا، بانتظار المفاوضات معه لحل الحرب مع أوكرانيا، فهو الوحيد القادر اليوم على فرض شروط على الرئيس الأوكراني زيلنسكي لوقف الحرب.
التوجه الجديد للروس هو التركيز على الشؤون الاقتصادية في العلاقة مع المنطقة، بخاصة ما يتعلّق بقطاعات التجارة والاستثمار والطاقة والتكنولوجيا، لذلك نجد تطوراً ملحوظاً في العلاقة بينهم وبين العديد من دول الخليج، التي لا تتردد في بناء استثمارات كبيرة مع الروس، والتفكير في مدخل مختلف عن المدخل السياسي التقليدي بين روسيا والعالم العربي، وربما الاتجاه أكثر اليوم نحو الخليج هو ما يسمى السياسات الروسية الشرق أوسطية.
أمّا الصين فهي لا تزال تفضل المجالات الاقتصادية والتجارية والقوة الناعمة public Diplomacy، لا تجد لها مصلحة في الانخراط العسكري أو السياسي، وذلك ليس ضمن أجندتها على المدى القريب، والشعار الصيني هو الاستثمار في أيّ مكان ممكن والحياد الاستراتيجي قدر الإمكان.
على الجهة المقابلة فإنّ الأوروبيين ليسوا لاعباً دولياً فاعلاً بصورة مباشرة في السياسات الشرق أوسطية، بالمعنى الذي يميلون إلى بناء موازين قوى جديدة. فبالرغم من موجة الاعترافات الدولية الكبيرة والهائلة بالدولة الفلسطينية وموقف بعض الدول الأوروبية الصلب ضد اسرائيل؛ مع ذلك لن تكون أوروبا قادرة على الاستقلال عن السياسات الأميركية بصورة واضحة في المنطقة؛ وستبقى تركز على الأدوار الثانوية .
إذا تجاوزنا القوى الدولية نحو الإقليمية، فلدينا دولتان رئيستان لطالما كانتا متهمتين خلال العقود الأخيرة بالقيام بأدوار سياسية واستراتيجية في المنطقة العربية، وكلّ منهما له أجندته السياسية وربما تتنافسان في صياغة التحالفات والعلاقات في المنطقة، فهل هنالك تحولات على صعيد سياساتهما أو استراتيجيتهما في المنطقة؟..
الإيرانيون وصلوا إلى استنتاجات وخلاصات مهمة بعد المواجهات العسكرية التي يطلقون عليها «حرب الـ12 يوماً» مع إسرائيل؛ فالاستراتيجية الجديدة ذات طابع دفاعي عن حدودهم الجغرافية المباشرة، بعد أن تداعت نظرية الأطراف ودورها الاقليمي في الأمن القومي الإيراني…
إيران تريد حماية حدودها وتدرك تماما أن المواجهة مع إسرائيل هي مواجهة مع الولايات المتحدة لذلك تعود إلى الوراء خطوتين وتركز على الأمن القومي مع إعادة التفكير في استراتيجية وصياغة مختلفة لما كان يدعى محور الممانعة مع الحلفاء والقوى القريبة من طهران معادلة تختلف عن المرحلة السابقة ..
على الطرف المقابل يعترف الأتراك أيضاً أنّهم تعلموا من مرحلة الربيع العربي وأنهم قد أعادوا تعريف مصالحهم في المنطقة، ويعملون بصورة واقعية وعقلانية في تحديد وتعريف مصالحهم تعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الدول العربية والتركيز على الحدود الجنوبية والمشكلة الكردية ودعم النظام السوري الجديد .
الخلاصة، يا سادة يا كرام، الكل يقول للدول العربية اليوم «ما حكّ جلدك مثل ظفرك»، نحن لن ننخرط في لعبة الرقص الشيطان، ولن نتورط في صراعات مكلفة عسكريا واستراتيجيا في المنطقة؛ فالرهان على القوى الكبرى والاقليمية الأخرى لإيجاد توازن قوى حاليا غير وارد؛ وإذا لم تتشكل أجندة عربية تدافع عن المصالح العربية وتقف في مواجهة ما يهدد استقرار المنطقة وتقول للجميع نحن لاعب رئيس هنا، لنا مصالحنا وأهدافنا، وتستطيع ان تقول لنتنياهو لا، ولتزامب اذا لزم الأمر، وفي حال استمرّت حالة عدم الثقة بين هذه الدول نفسها والخلط بين الصراعات البينية والمصالح المشتركة فإنّ الأجندة والمشروع الوحيد القادر على الهيمنة هو مشروع نتنياهو مع تعديلات وتحسينات من ترامب كما فعل في إعلان شرم الشيخ، وسيفعل لاحقاً إذا اقتضى الأمر!