لندن: محمد الطّورة
تجربة سنغافورة الأقتصادية والأستفادة منها في الأردن
يعتبر الأردن من الدول التي تتمتع بموارد بشرية متميزة قادرة على المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة. فالشباب الأردني يمتاز بالقدرات العلمية والعملية في مجالات متعددة، مما يجعله عنصراً حيوياً في تحقيق النمو الاقتصادي للبلاد. وبفضل نظام التعليم المنهجي والفني، استطاع الكثير من الطلاب الأردنيين التخصص في العلوم الأساسية مثل الهندسة، والطب، والعلوم الاجتماعية، وتكنولوجيا المعلومات. هذه التخصصات تلعب دوراً محورياً في دفع عجلة التطور والنمو في مختلف القطاعات.
كما أن الإستثمار في تنمية هذه الموارد البشرية يعد أمراً ضرورياً لجعل الأردن مركزاً إقليمياً للجودة والخدمات المتميزة. يمكن تحقيق ذلك من خلال إنشاء برامج تدريبة متخصصة، وتطوير الشراكات بين الجامعات المحلية والشركات العالمية، مما يسهل توظيف العقول المتخصصة في السوق العالمية. تمثل هذه الشراكات فرصاً كبيرة لتبادل المعرفة والخبرات، مما يسهم في بناء أدوات التطوير التكنولوجي والابتكار.
هناك العديد من قصص النجاح لأشخاص من الأردن حققوا إنجازات ملحوظة في السوق العالمية. على سبيل المثال، تخصص عدد من المهندسين الأردنيين في مجالات التكنولوجيا الفائقة، وأثبتوا جدارتهم في الشركات الكبرى، وحققوا مكاسب تتجاوز الحدود المحلية. هذه الأمثلة تعكس الاحتضان الكبير للعقول المبدعة في المملكة ودورها في تطور اقتصادها.
من الضروري دعم هذه العقول وتعزيز الكفاءات عن طريق تطوير سياسات تعليمية مناسبة، تُركز على الابتكار والتكنولوجيا. لن يتحقق الفوز في سباق التنمية إلا من خلال استثمار محتوى الموارد البشرية، مما يتيح للجميع الاستفادة من هذا التنوع والموهبة الموجودة في الأردن، ويقود البلاد نحو مستقبل أفضل.
يعتبر تحفيز الاستثمار أحد العناصر الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام في أي دولة، ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة في سياق الأردن. فبغض النظر عن التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فإن تحسين المناخ الاستثماري يمكن أن يوفر فرصًا جديدة لرؤوس الأموال الأجنبية والمحلية. يتطلب ذلك تطبيق سياسات فعالة ومرنة تهدف إلى تسهيل الإجراءات، وتقليل الفساد، وتعزيز الشفافية في عمليات الاستثمار.
لتحقيق ذلك، يمكن للحكومة الأردنية اتخاذ مجموعة من الخطوات. أولاً، يتوجب تبسيط الإجراءات الإدارية المتعلقة بإنشاء الشركات وتسهيل الحصول على التراخيص اللازمة. من المهم أيضًا تطوير بنية تحتية ملائمة تدعم المشاريع الاقتصادية، بما في ذلك تحسين وسائل النقل والطاقة والاتصالات. هذه العوامل مجتمعة تعزز من جاذبية السوق الأردني للاستثمار.
تستطيع الأردن الاستفادة من التجارب الناجحة للدول الأخرى. على سبيل المثال، يمكن دراسة كيف استطاعت سنغافورة أن تتحول إلى مركز اقتصادي عالمي من خلال توظيف استراتيجيات جذب الاستثمار المبتكرة، بما في ذلك الحوافز الضريبية، ومبادرات الابتكار، وإنشاء مناطق اقتصادية خاصة. من الضروري كذلك النظر في مشاريع ناجحة محليًا، مثل تطور صناعات معينة أو التجارب الناجحة في السياحة، واستخلاص الدروس منها.
عند النظر إلى المستقبل، فإن تحسين بيئة الأعمال سيساهم بفعالية في جذب الاستثمارات الأجنبية، مما سينعكس إيجابًا على التحفيز الاقتصادي في الأردن. وهذا يستدعي تعاونًا بين الحكومة والقطاع الخاص والعمل على إنشاء شراكات استراتيجية تعزز من التنمية المستدامة وتحسن من مستوى المعيشي للمواطنين.
تعد التحديات البيروقراطية واحدة من أكبر العقبات التي تواجه المستثمرين في الأردن، حيث تؤثر هذه العقبات سلباً على البيئة الاقتصادية للبلاد. يتعرض المستثمرون في الغالب للروتين الطويل والمعقد، مما يبطئ من وتيرة تنفيذ المشاريع ويزيد من التكاليف الإجمالية. إن تعدد الجهات الحكومية المسؤولة عن إصدار التراخيص اللازمة يتسبب في تداخل الإجراءات، مما يعقد عملية الاستثمار ويجعلها أقل جاذبية مقارنةً بدول أخرى مثل سنغافورة.
لتحسين هذه الحالة، من الضروري اتخاذ تدابير فعالة تهدف إلى تبسيط الإجراءات وتقليل الزمن المستغرق للحصول على التصاريح والتراخيص. يعتبر إنشاء جهة واحدة مسؤولة عن التصريح بمشاريع الاستثمار من الحلول المحتملة، حيث يمكن أن يساهم ذلك في تسريع الإجراءات وتيسير العملية للمستثمرين. هذه الهيئة يمكن أن تعمل كحلقة وصل بين المستثمرين والجهات الحكومية الأخرى، مما يتيح الحصول على معلومات موحدة وعملية، مما يساعد على تحسين الشفافية وتقليل الازدواجية في الإجراءات.
علاوة على ذلك، يجب العمل على تطوير الأنظمة التقنية الرقمية التي تساعد في رقمنة العمليات البيروقراطية، مما يسهل على المستثمرين التقدم بطلباتهم عبر الإنترنت ومتابعة تقدمها بصورة دقيقة وفي الوقت المناسب. توظف العديد من الدول هذا النوع من الحلول لزيادة الكفاءة، وقد تكون ممارسات مماثلة مفيدة جداً للأردن. من خلال إزالة هذه الحواجز البيروقراطية، يمكن تعزيز بيئة التوظيف وجعل البلاد أكثر جذباً للاستثمارات، مما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي المنشود.
يمتاز الأردن بموقعه الجغرافي الفريد الذي يجعله جسرًا بين الثقافات المختلفة، حيث يحده من الشمال سورية، ومن الغرب فلسطين، ومن الشرق العراق. يتضمن هذا الموقع مجموعة غنية من الموارد الطبيعية والمعالم السياحية التي تجعله وجهة جذابة للزوار. يعتبر البحر الأحمر، المعروف بشعابه المرجانية الجميلة، واحدًا من أفضل مواقع الغوص في العالم، بينما يتيح البحر الميت للزوار تجربة فريدة من نوعها في السباحة والاسترخاء، متفخرًا بأنه أقل نقطة على سطح الأرض.
إضافة إلى ذلك، يتمتع الأردن بموقع استراتيجي يسمح للزوار بالوصول بسهولة إلى العديد من المعالم السياحية التاريخية مثل البتراء، وهي مدينة أثرية تعتبر من عجائب العالم السبع. هناك أيضًا مناطق طبيعية ساحرة مثل وادي رم، الذي يتميز بصخوره الوردية وجماله الطبيعي الذي جذب العديد من عشاق المغامرات. يعتبر التراث الثقافي الغني للأردن، بما يشمل المطبخ الأردني التقليدي، عامل جذب إضافي للسياح.
لذا، يمكن استخدام هذه المميزات لتعزيز القطاع السياحي وجعل الأردن وجهة سياحية عالمية. من خلال الاستثمار في تطوير البنية التحتية، وتقديم خدمات سياحية متميزة، وترويج الحملات التسويقية المناسبة، يمكن جذب المزيد من الزوار من جميع أنحاء العالم. السياحة ليست فقط مصدر دخل مهم، بل تلعب أيضًا دورًا حيويًا في تعزيز الاقتصاد الوطني. إذ يمكن أن تسهم السياحة في خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الفعاليات الثقافية والاجتماعية، مما يعود بالنفع على المجتمع بأسره.