لندن – كتب الدكتور حسام حلمي الحراحشة:الجامعات الأردنية تحلّق عالميًا: إنجاز QS 2026 بداية جديدة نحو العالمية والتميّز

يشهد قطاع التعليم العالي الأردني على الصعيد الدولي إنجازًا وطنيًا غير مسبوق، تمثل في القفزات النوعية التي حققتها الجامعات الأردنية في تصنيف QS العالمي للجامعات لعام 2026، وهو من أكثر التصنيفات مصداقية وتأثيرًا على مستوى العالم. هذا النجاح لا يعكس فقط جودة التعليم، بل يبرز كذلك كفاءة القيادة الأكاديمية، وتنامي ثقافة التميّز، ووضوح الرؤية الاستراتيجية لدى مؤسساتنا التعليمية.

في هذا العام، وصلت الجامعة الأردنية إلى المرتبة 324 عالميًا، متقدمة من (591-600) في عام 2023، ثم إلى 498 في 2024، و368 في 2025، لتسجل تقدمًا استثنائيًا على مستوى الوطن العربي. كما حققت جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية المرتبة 461 عالميًا، بعد أن بدأت عند (801-1000) في 2023. وتقدمت أيضًا جامعة اليرموك لتصل إلى الترتيب 851-900، بعد أن كانت في (1201-1400) قبل عامين، بينما عادت الجامعة الألمانية الأردنية إلى نطاق 801-850 بعد تحسّن ملموس. وتقدمت جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا بثبات لتستقر ضمن 901-950، وكذلك جامعة البلقاء التطبيقية وجامعة مؤتة والجامعة الهاشمية حافظت على وجودها المستمر في التصنيف ضمن نطاق 1001-1200.

أما الجامعات التي انضمت حديثًا إلى تصنيف QS لعام 2026 فهي:

جامعة الشرق الأوسط MEU، جامعة البترا، جامعة الزيتونة الأردنية، جامعة عمان العربية، جامعة الزرقاء، وجامعة جدارا، لتنضم إلى التصنيف العالمي للمرة الأولى، في خطوة مهمة تعكس التحسن المؤسسي والتخطيط الأكاديمي طويل المدى.

بذلك، أصبح عدد الجامعات الأردنية المصنّفة ضمن تصنيف QS لعام 2026 (16 جامعة)، وهو إنجاز تاريخي يُحتفى به، ويؤكد أن الأردن يسير بخطى واثقة نحو المنافسة العالمية في التعليم العالي.

تصنيف QS يعتمد على معايير دقيقة تشمل السمعة الأكاديمية، توظيف الخريجين، البحث العلمي، نسب أعضاء الهيئة التدريسية إلى الطلبة، نسبة الطلبة الدوليين، والشراكات البحثية العالمية. وقد نجحت جامعاتنا في تحسين أدائها في هذه المؤشرات، ولكن لا تزال هناك فرص كبيرة للنمو، خاصة في مجالي البحث العلمي والجاهزية الوظيفية للخريجين.

ومن أبرز التحديات المستمرة، يأتي التوظيف، حيث أن عدد الخريجين في تزايد مطّرد، ما يخلق ضغطًا على سوق العمل المحلي. ومع تطلع الشباب الأردني للفرص الدولية، وتوجههم نحو ريادة الأعمال والقطاع الخاص، يصبح من الضروري إيجاد استراتيجية وطنية شمولية تربط بين مخرجات الجامعات، وحاجات السوق، والسياسات الحكومية، مع دور فاعل للقطاع الخاص.

هذا التقدم الكبير يفتح الباب أمام فرص أكبر للتدويل، من خلال استقطاب طلبة دوليين، وبناء شراكات أكاديمية وبحثية مع جامعات عالمية، والحصول على تمويلات بحثية دولية، وتوسيع البرامج الأكاديمية للبرامج المشتركة محليا ودوليا واستحداث برامج جديدة تعكس المتطلبات المهنية وعلى اساس منهجي مدروس، ما يعزز من موقع الأردن كمركز أكاديمي متميز إقليميًا ودوليًا.

إن الجامعات الأردنية أصبحت تمتلك فرصة ذهبية لتقديم نفسها كمحور إقليمي في التعليم، والبحث، والابتكار، والسياحة الأكاديمية، وجذب الطلبة الدوليين، واستقطاب شراكات بحثية وتمويلية عابرة للحدود. هذا يتطلب من المؤسسات الأكاديمية أن تُعزز قدراتها البحثية، وتُعمق تعاونها مع الجامعات العالمية، وتربط برامجها التعليمية مباشرة بحاجات الاقتصاد الوطني والدولي. وبصفتي أكاديميًا وباحثا اردنيًا منتسبًا إلى  عدة جامعات منها جامعتَي أكسفورد وكامبردج، وفاعلًا في مشاريع وشراكات علمية دولية، فإنني أؤمن إيمانًا راسخًا أن التعليم هو البوابة الحقيقية للتنمية، والجامعات هي وقود التقدم وبوصلة المستقبل. التجربة العالمية أثبتت أن الدول التي تستثمر في جامعاتها ومراكزها البحثية هي الأكثر قدرة على قيادة التحول الاقتصادي والمعرفي.

ومع هذا الزخم، يجب أن تكون رؤية التعليم العالي الأردني للسنوات العشر المقبلة طموحة وواضحة، تستهدف:

مضاعفة عدد الجامعات الأردنية المصنفة ضمن أفضل 1000 جامعة عالميًا.

التمهيد لدخول جامعات أردنية  كالجامعة الأردنية وجامعة العلوم والتكنولوجيا  وغيرها ضمن أفضل 100 جامعة عالميًا، وهو هدف واقعي إذا استمر هذا الأداء التصاعدي.

تعزيز قدرات الجامعات في مجالات البحث التطبيقي وربط المعرفة بالاقتصاد وخدمة المجتمع.

أنا من المؤمنين بقوة بأن الجامعات لا ينبغي أن تقتصر على كونها مؤسسات للتدريس أو للبحث النظري، بل يجب أن تتحول إلى محاور محلية للنمو الاقتصادي، والابتكار، والإنتاج المعرفي، والتأثير الاجتماعي المستدام. التعليم اليوم هو أحد أقوى أدوات السيادة الوطنية، والتنمية الاقتصادية، والازدهار الحضاري، والأردن اليوم يمتلك الفرصة الذهبية ليكون في قلب هذا التحول العالمي.

في الختام، أتقدّم بأسمى آيات التهنئة لجميع رؤساء وأعضاء الهيئات الأكاديمية والإدارية في جامعاتنا الأردنية على هذا الإنجاز المشرف، الذي لم يكن ليتحقق لولا الجهد التراكمي، والتعاون المثمر بين جميع مكونات المنظومة.

من الجدير بالذكر أن الدكتور حسام المقيم في المملكة المتحدة يحمل عدد من المؤهلات العملية ولدية خبرات في المجالات الأكاديمة والتعلمية التي أهلته ليكون أحد أعضاء هيئات التدريس المميزين  في عدد من الجامعات والمعاهد التعليمية البريطانية. وهو نجل الأستاذ حلمي الحراحشة رئيس الجالية والمنتدى الأردني في المملكة المتحدة.