عادت جبهة اليمن لتشهد تصعيداً إسرائيلياً نوعياً. فبعد استمرار الصواريخ القادمة من اليمن في استهداف تل أبيب، والتحول النوعي باستخدام صاروخ عنقودي ضد إسرائيل، بدأت تل أبيب تنفيذ عمليات مركّزة استهدفت قيادات حوثية. هذا التطور يشير إلى توافر معلومات استخبارية وقدرات عمل داخل اليمن لم تكن متاحة في الفترات السابقة، ما يعني أن العمل الإسرائيلي لم يعد يقتصر على القصف الصاروخي أو الجوي، بل امتد إلى اختراقات استخبارية وجمع معلومات ميدانية. وهو ما استدعى بدوره توسيع العمليات في البحر الأحمر، ووجوداً بحرياً إسرائيلياً قد يكون جزءاً من مسار الاختراق والاستهداف والمتابعة داخل الأراضي اليمنية.
أما في سورية، فتواصل إسرائيل إرسال رسائل واضحة بأن الأجواء والأراضي السورية تشكّل ساحة عمليات مفتوحة أمامها كلما اقتضت الحاجة. فالإنزالات العسكرية في ضواحي العاصمة، والاستهداف المباشر لمخازن السلاح، وصولاً إلى الاعتقالات في الجنوب، كلها مؤشرات تؤكد أن المفاوضات السياسية أو الوعود السورية لن تمنع إسرائيل من التعامل مع سورية كساحة مواجهة مباشرة. سياسياً، جاء قرار تأجيل الانتخابات في ثلاث محافظات سورية ليزيد من تعقيد الأزمة السياسية مع مكوّنين أساسيين في البلاد: السويداء والحسكة. هذا القرار يفاقم الضغوط على الحكومة السورية ويعزز مساعي الأطراف الأخرى للبحث عن صيغ سياسية مختلفة تتناسب مع رؤاهم لشكل “سورية الجديدة”. في هذا السياق، ستسعى هذه القوى إلى استثمار حالة الاستبعاد من التصويت لتحقيق مكاسب سياسية، فالإدارة الذاتية في شمال شرق سورية مثلاً لن تتردد في البحث عن صيغة جديدة تستفيد من الوضع الراهن، خاصة إذا ضمنت دعماً أميركياً باتجاه تبنّي “النموذج العراقي”، أي إنشاء تمثيل مؤسسي موازٍ يوفّر لها نفوذاً تفاوضياً في محادثات المصالحة المقبلة. مثل هذه التحديات ستضع الحكومة السورية أمام ضغوط متزايدة خلال الأشهر المقبلة، خصوصاً إذا ما تصاعدت المواجهات المحلية – من السويداء إلى الشمال الشرقي – ما سيعمّق من أزمة النظام بشكل أكبر وأخطر.
أما طريق العودة إلى المواجهة مع طهران فيبدو أنه يُعبّد بوتيرة متسارعة. فمن عودة العقوبات الأوروبية على إيران، إلى بدء تجريم سياساتها وعزلها كما حدث في أستراليا -على سبيل المثال- التي اتهمتها مباشرة بتهديد الأمن القومي، وصولاً إلى حالة العزلة الدولية المتنامية، يبرز مسارٌ يُشرعن عملياً الاستهداف المباشر لطهران بما يتماشى مع مساعي إسرائيل. وتعمل تل أبيب بشكل واضح على الاستعداد لهذه المواجهة، من خلال إنهاء التهديدات المتبقية من الجبهات: من غزة إلى الضفة الغربية، ومن لبنان إلى سورية، وصولاً إلى التحول النوعي في استهداف الحوثيين في اليمن، ومتابعة دقيقة للمشهد العراقي الذي يشهد اليوم إشارات واضحة لاحتمال شمله بموجة الاستهدافات قبل فتح المواجهة مع إيران، وهو ما ظهر في إجراءات إخلاء الولايات المتحدة بعض قواعدها العسكرية هناك.
على مدى العامين الماضيين، ركّزت إسرائيل على تحجيم خطر المليشيات والتنظيمات الموالية لإيران، وتحويلها من تنظيمات قادرة على خوض حروب إقليمية أو تهديدات كبيرة لإسرائيل، إلى جماعات محلية مسلّحة تشكل عبئاً داخلياً على بلدانها؛ من حزب الله في لبنان، إلى الحوثي في اليمن، وصولاً إلى الحشد الشعبي في العراق. وهذا المسار يعني عملياً تجريد إيران من أي قدرة حقيقية على استهداف إسرائيل بشكل مباشر أو نقل أزماتها الأمنية خارج حدودها. ومن هنا، فإن احتمالية عودة إسرائيل إلى المواجهة المؤجلة مع طهران باتت أكثر ارتفاعاً.
في الوقت ذاته، يتزامن عمل إسرائيل على تحييد مصادر التهديد مع تعميق الأزمة الإيرانية على كل المستويات: سياسياً عبر العقوبات الأوروبية والعزلة الدولية، أمنياً من خلال الاستهدافات المستمرة داخل إيران والعمليات الغامضة أو الإرهابية القادمة من الحدود، ومعيشياً عبر تفاقم الأزمة الاقتصادية والخدماتية التي تهدد بانفجارات داخلية. كل ذلك يجري بالتوازي مع استعدادات إسرائيل الواضحة، ليس فقط عبر تحييد المخاطر الإقليمية، بل أيضاً من خلال تعزيزات دفاعية وعسكرية متواصلة، بما يؤكد أن سيناريو العودة إلى المواجهة مع طهران لم يعد مستبعداً.