92
كريم الزغيّر
لم يحجب ضباب لندن عنه ذكرياته عن الأردن. الأردنُ الذي ظلّ ملتصقًا به بالرغم من سنوات الغربة التي لم تتمكن بتقادمها أن تحوّرها تلك الذكريات، فها هو مدير المراسم والتشريفات لدى السفارة الأردنيّة في لندن وواشنطن، محمد الطورة يؤسّس نمطًا جديدًا في العلاقة مع المكان، حيث الغربة توطّد الحنين، والحنين ليس شعورًا عاطفيًّا مجرّدًا بقدر ما هو رغبة عارمة في الإنجاز لرجل يُدرك أنّ العملَ خارج حدود الوطن ليس الاندماج في ثقافة البلد الذي يعمل فيه؛ بل بإبراز صورة البلد الذي أتى منه، وهنا؛ تتجسّد المفارقة التي استطاع (أبو مهند) أنْ يبتدعها بعلاقاته وصيته الذائع.
لم يختزل (الطّورة) عمله بشكل بيروقراطيّ تقليديّ؛ بل تعداه إلى ما يمكن أن نصفهُ بالدبلوماسيّة العابرة للأنماط، فهو يعرفُ بثقافته وقدرته على الإحاطة بالمشهد من كافة زواياه أنّ العمل في السلك الدبلوماسي ليسَ عملًا مكتبيًا أو سلسلةً من الطقوس البروتوكوليّة؛ بل هو عمل حيويٌّ يسترعي التفاعل مع كافة القوى والشخصيّات ووسائل الإعلام، ومن هنا؛ استطاع من خلال مهام عمله في التشريفات والمراسم إبراز صورة الأردن ومكانته التي حرصت القيادة الهاشميّة بقيادة جلالة المغفور له -بإذن الله- الحسين ابن طلال ومن ثم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يعضده سمو ولي العهد الحسين ابن عبدالله أن تكون في الموضع الذي تستحقه.
نصفَ عمره قد بُذِل في جهد جهيد ودؤوب في العمل في السفارات الأردنية، ويُخيّل لي أنّ (أبا مهند) أحد العناوين البارزة والساطعة التي لا يجهلها من عمل في المجال العام، ولا يجهلها أيضًا من زار لندن ورأى في هذا الرجل إيثاره وتفانيه في خدمة الأردنيين، ولم يجرِ أنّ أوصد بابه أمام قاصديه، وليس أدل على ذلك من عمله في دولة الامارات منذ باكورة حياته العمليه .
وبعد عقود من العمل والخبرة ؛ يسعى (أبو المهند) المفعم بالأمل، والمُستشرف للمستقبل أنْ ينقل تجربته الثريّة المكتنزة إلى الأجيال اللاحقة، ولإدراكه أنّ الإعلامَ بكافة أشكاله أصبح ضرورةً لا تتعداها ضرورات؛ فقد أسّس موقع “العموم نيوز” الذي استطاع خلال فترة قياسيّة أن يكون موقعًا إخباريًّا مرجعيًّأ لدى الجمهور؛ لما يتسم بالدقة والموضوعيّة، وحرص مؤسّسه على أن يكونَ منبرًا وطنيًّا بعيدًا عن المماحكات والصغائر.
“العموم نيوز”؛ وهو اسم ذو دلالات لا تحتاج إلى الشرح أو التفسير، وحينما سُئل (الطّورة) عن تسمية الموقع بهذا الاسم أجاب إجابةً واضحةً لا ريب فيها:”هذا الموقع لعموم الناس”. وأظن أنّ هذه الإجابة كافية لفهم كيف يفكّر ( أبو مهند ) الذي آثر على نفسه أن يكون في خندق الوطن ومع قيادته.