بصرف النظر عن إمكانيات التنفيذ الفوري لمخططات التهجير القسري التي اقترحها الرئيس الأمريكي المهووس ترامب في اخر صرعاته واوهامه الاستعمارية، وذلك في خضم الأيام الأخيرة التي بدا فيها صاخبا ، ومنتشيا بالسلطة .
وقد اعطى الايعاز بتهجير الفلسطينين من غزة، ونقلهم الى الاردن او مصر او اي دولة اخرى ، وبما يتجاوز الحقوق التاريخية والإنسانية لهم فوق ترابهم الوطني ، وينتهك قواعد القانون الدولي، وبالشكل الذي يمس بسيادة هذه الدول العربية التي حاول الاخلال بامنها الوطني، وكأنها دول بلا سيادة ، ويملك الاحقية في قرارها الوطني، وذلك علنا أمام مرأى، ونظر العالم الدموقراطي.
وبغض النظر عن المخاطر الحقيقية التي قفز عنها ترامب في تصوراته للتهجير الى الأردن متناسيا بانها تملك اكبر خطوط حدود برية مع الكيان الغاصب، وتستطيع ان تصيبه في مقتل.
وبتجاوز واضح وعدم فهم لمسيرة الشعب الفلسطيني البطل المقاوم، وملحمته الوطنية التي كرسها بدمائه واجساد ابنائه ، وتمسكه بارضه على مدار ما يقرب من قرن من الزمان التي قدم فيها التضحيات الجسام دفاعا عن ثراه المقدس، وطلبا للاستقلال والتحرر الوطني.
وايضا بصرف النظر عن الإمكانيات المتوفرة حاليا لتنفيذ المخطط الشيطاني في افراغ فلسطين من أهلها الشرعيين بشكل نهائي، وتحويلها الى دولة يهودية، وهو ما عبر عنه الرئيس الامريكي بمحاكاة القلم والطاولة في المكتب البيضاوي الا انه عمليا هو يعطي الضوء الامريكي الاخضر بالتهجير، ويطلق العنان للمحتل الاسرائيلي الغاشم بالسير باجراءات تنفيذ هذا المخطط ولو بعد حين، وهو الخطر الاكبر على القضية الفلسطينية منذ قيامها ، ويضع ذلك ضمن التصورات العملية للكيان الغاصب.
فهذه التصريحات التي تبدو خيالية للرئيس الأمريكي تكسر حواجز كثيرة كانت قائمة في وجه االاحتلال ، والذي قد يتحين الفرص بعدها لخلق الظروف والبيئات للسير بهذا المشروع الكارثي الذي يتهدد الامة العربية ، والقضية الفلسطينية برمتها .
وبذلك استدار المشروع الصهيوني الى هيئته الاولى التي اوجد فيها في المنطقة ، وعمليا هو يحكم بسقوط كل المعاهدات والترتيبات التي اقامها الاسرائيليون مع بعض الدول العربية ، وبالتوافق في حينه مع العالم، وما اطلق عليه بالشرعية الدولية .
وأصبحت اليوم كل القرارات والمواقف الدولية، وحتى موقف الولايات المتحدة الامريكية نفسها من السلام عبر العقود الماضية في مهب الريح.
وهذا الطرح يسقط القرار الدولي باقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من حزيران، وبذلك تتبخر إمكانيات التعايش مع الكيان الذي استباح ساحات عربية كثيرة ، واحتل أراضي عدة دول عربية في الآونة الأخيرة ، ومنها سوريا ولبنان.
وقد وصل باعتداءاته الغاشمة المدعومة امريكيا الى كل مكان في المنطقة، وهو يسفر عن وجهه القبيح ككيان عدواني عنصري يقوم على القتل والتدمير والتهجير، وها هو يهدد استقرار المنطقة، ويتجاوز معاهدات السلام التي ابرمت في مراحل سابقه.
وهذا التطور الاخطر بمجريات القضية الفلسطينية يتم برعاية أمريكية معلنة، وبما يوحي للصهاينة ويشجعهم لاحقا ويحرضهم على الاستيلاء على غزة والعمل على تفريغها من سكانها اذا استطاعوا.
وهذا قد يدفع الاحتلال لبسط السيادة والنفوذ على الضفة الغربية ايضا، ووضع سكانها امام خيارات التهجير والتشريد، والمس بالمكانة الدينية للقدس الشريف.
والمخطط الصهيوني المدعوم برغبة امريكية يهدد الدول العربية المجاورة بضرورة اقامة دولة فلسطينية بديلة عن فلسطين على أراضيها ومنها السعودية، وبتجاوز واضح لظروف هذه الدول، ومدى تأثير ذلك على نسيجها الاجتماعي، وكل ذلك يأتي من وحي تصورات الرئيس الأمريكي الذي ينظر لكيانات الدول وسيادتها ، واستقلالها بدون اي احترام. ولكأنها كيانات بلا شعوب ومؤسسات دستورية.
وهذا الحدث المصيري كبير، ويغير مسارات القضية الفلسطينية ، ويضعها امام استحقاقاتها التارخية الأولى التي كانت تقوم على أساس ان هذا الكيان العنصري مضاد لكل الدول العربية، ولا يمكن التعايش السلمي معه لكونه عوضا عن جريمة الاحتلال البغيض فهو لا يعترف اساسا بحقوق الشعب الفلسطيني، او يقبل بتقاسم فلسطين معه بأي نسبة كانت ، وانما هو كان يتحين الظروف، والفرص ليعبر عن جوهرة الاستعماري الاحلالي.
وهذه الحقائق الفاقعة نخرج بها من خضم هذه المرحلة الخطرة، وعلينا كأمة عربية ان نجد الاليات المناسبة للتعامل مع هذه التحديات التي باتت تهدد وجود الامة وكياناتها على العموم، وليس الفلسطينين فحسب.
فهذا الهوس الصهيوني الاجرامي مستمد من التصورات التوراتية (المزيفة) لدولة اسرائيل، وهنالك متابعة صهيونية حثيثة لاقامتها بهذه الصيغة ، وبالحدود التوراتية ووفقا للظروف المتاحة، وبالنظر لاستخدام عامل الوقت. وامتطاء الظهر الامريكي. ونحن كأمة عربية واسلامية نملك المقومات الكبيرة للدفاع عن انفسنا ووجودنا وكياناتنا ودولنا اذا وضعنا مصالحنا القومية والاسلامية نصب اعيننا، واوجدنا عالما مساندا لنا من كثير من دول العالم التي ترفض ترامب وسياساته الرعناء.
لا شك ان الرئيس الامريكي ترامب الذي سبق وان اقترح ابان ظهور ازمة كورونا في بداياتها على الطواقم الطبية الامريكية ان يعملوا على تعقيم رئة الانسان الحي في مقترح ساذج ، وهو ما قد يشير الى جانب من طريقة تفكيره لا شك ان لديه تخريصاته واوهامه التي هي بلا وزن على ارض الواقع، ولكنه عمليا بتصريحاته الاخيرة يعطي الضوء الاخضرالامريكي، و يفتح شهية الاحتلال لاتخاذ مسار التهجير للمراحل القادمة.
وهذا الكيان الغاصب سيتهز الفرصة اذا استطاع لمحاولات ضرب الوجود الفلسطيني فوق فلسطين، وهذا يقتضي يقظة الامة العربية، وتكاتفها ، وان تتوحد في مواقفها لمساندة الحق الفلسطيني، ودعم نضال الشعب الفلسطيني، وتثبيته على ارضه ، ودعمه لاسقاط المخطط الاجرامي بحقه، وكبح المخاطر التي باتت تتهدد المنطقة العربية، وشعوبها، وقد تودي باستقرارها لا سمح الله.