تعد محافظة معان الأكبر مساحة بين محافظات الأردن، وموقعها الجغرافي المترامي الأطراف يجعلها على تماس مباشر مع قضايا الحدود والتجارة والنقل، وهو ما يمنحها أهمية استراتيجية مضاعفة، لكنه في الوقت نفسه جعلها أكثر عرضة لتحديات التنمية بسبب بعدها عن المركز.
منذ أن تولى جلالة الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية، أدرك حجم الفجوة التنموية في الأطراف، ووجه الحكومات المتعاقبة لتكثيف الجهود تجاه هذه المناطق، بل وأطلق في أحيان عديدة مبادرات ملكية مباشرة من الديوان لسد النقص الناجم عن ضعف أداء بعض الحكومات. وقد نالت معان نصيبها من مشاريع خدمية وبنية تحتية، من مدارس وطرق ومراكز صحية ومرافق جامعية، لكن هذه المشاريع ظلت أقرب إلى جزر منفصلة، وذلك لغياب رؤية متكاملة تربطها بمنظومة تنموية حقيقية قادرة على خلق فرص عمل وتحريك عجلة الاقتصاد المحلي.
إن المعضلة الأساسية في معان لم تكن في حجم المشاريع أو عددها، بل في غياب الربط بين البنية التحتية والتنمية المستدامة. فالمشاريع كانت تنجز على الورق وتفتتح رسمياً، لكنها لم تترجم إلى بيئة اقتصادية واجتماعية قادرة على تغيير مستوى المعيشة، الامر الذي أبقى المحافظة رهينة لمعادلة الفقر والبطالة وتدني الدخل. وهذا ما يفسر حالة الاحتقان المتكررة لدى السكان، خاصة مع شعورهم بأن الإنجازات المعلنة لا تنعكس بشكل ملموس على حياتهم اليومية.
يضاف إلى ذلك أن الإدارة المحلية في المحافظة أظهرت ضعفاً في إدارة الأزمات، وعدم القدرة على استيعاب الغضب الشعبي أو معالجته بوسائل مؤسسية، ما أدى في كثير من الحالات إلى تضخم المشهد وتحوله إلى ملف أمني. ومع كل أزمة، كانت بعض الأطراف تسعى إلى استثمار التوتر لمكاسب شخصية أو لإثبات حضورها لدى الدولة، وهو ما زاد الفجوة بين المواطن والسلطات.
وهكذا تحولت معان من محافظة تملك مقومات واعدة بحكم موقعها وثرواتها وإمكانات أبنائها، إلى نموذج يستحضر في سياق الاحتجاج والاضطراب أكثر مما يستحضر في سياق التنمية والإنجاز.
وللحديث بقية

