في خضم التحديات المتزايدة التي تعصف بالإدارة الحكومية وتعرقل جهود مكافحة الفساد، يلوح في الأفق نموذج مبتكر يعتمد على قوة التكنولوجيا وتحليل البيانات. لقد شهدنا في السنوات الأخيرة بصيص أمل من خلال الجهود التي يقودها “إيلون ماسك”، صاحب الرؤى المستقبلية الذي يبدو وكأنه قادم من عالم آخر، فاقد حضرت له أكثر من محاضرة بالقمة العالمية للحكومات في دبي، في الولايات المتحدة، اعتمد ماسك على تحليل البيانات لكشف الممارسات المالية غير المبررة، مما أثار تساؤلات حيوية: هل يمكن لهذه المنهجية أن تتجاوز الحدود وتصبح استراتيجية عالمية شاملة للقضاء على الفساد؟
اعتمد “إيلون ماسك” على “نهج تحليلي دقيق” في مساعيه لمكافحة الفساد وهدر المال العام، متسلحًا بقدرته على تتبع “التدفقات المالية” وتحديد الثغرات التي تسمح بتسرب الأموال. من أبرز الإجراءات التي اتخذها فريقه، تحليل “الإنفاق الحكومي” بشكل شامل، حيث استطاعوا من خلال مراجعة البيانات المالية الكشف عن حالات إنفاق غير مبررة. مثال على ذلك، اكتشفوا استمرار تسجيل ملايين الأفراد المتوفين في قاعدة بيانات الضمان الاجتماعي، مما سمح لجهات غير قانونية بالاستفادة من أموال الدعم الحكومي، وهو ما يمثل هدرًا فادحًا للمال العام.
ولم يكتف ماسك بالتحليل اليدوي، بل وظف التكنولوجيا لتتبع الأموال بشكل فعال. اقترح استخدام رموز تعريف فريدة لكل مدفوعات وزارة الخزانة، وهو إجراء مبتكر يسهل تتبع الأموال ويضمن صرفها في الأغراض المخصصة لها، ويعد هذا الإجراء من الإجراءات التي يمكن أن توفر مليارات الدولارات سنويًا.
بالإضافة إلى ذلك، وجه ماسك اهتمامه إلى التدقيق في المساعدات والمنح الحكومية، خاصة تلك التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) تبين أن هذه الوكالة تحول مليارات الدولارات إلى منظمات غير خاضعة للرقابة الفعالة، مما يفتح المجال أمام الفساد والممارسات المالية المشبوهة. هذا التدقيق الدقيق يسلط الضوء على أهمية الشفافية والمساءلة في جميع مستويات الإنفاق الحكومي.
تواجه منهجية “إيلون ماسك” جملة من التحديات عند تطبيقها عالميًا، وأبرزها صعوبة تحقيق الشفافية وإتاحة البيانات، إذ تعتمد على الوصول إلى وتحليل المعلومات الحكومية، وهو أمر مقيد في كثير من الدول. وبالإضافة إلى ذلك، تبرز المقاومة البيروقراطية كعائق رئيسي. فكما واجه ماسك معارضة في الولايات المتحدة، وهي “معقل للبيروقراطية في القطاع الحكومي الفيدرالي”، فإن جهودًا مماثلة في دول أخرى قد تصطدم بمقاومة شرسة من المسؤولين والجهات التي تستفيد من استمرار الفساد. ولا يمكن إغفال التحدي الثالث، وهو التكامل بين “التكنولوجيا والسياسات الحكومية”. فالتطبيق الناجح لهذه المنهجية يتطلب تعاونًا وثيقًا بين “الحكومات والقطاع الخاص”، خاصة في مجالات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، لضمان تتبع التدفقات المالية بكفاءة عالية.
ومع ذلك، يمكن للدول الطامحة إلى تطبيق منهجية مماثلة أن تبدأ باتخاذ خطوات تدريجية. يمكن البدء بإطلاق منصات رقمية شفافة لمراقبة الإنفاق الحكومي، تتيح للمواطنين والمختصين الوصول إلى البيانات وتحليلها. كما يمكن تفعيل وحدات مستقلة لمكافحة الفساد، تضم خبراء في التكنولوجيا والتحليل المالي، على غرار الفريق الذي يقوده ماسك. ولا يمكن تجاهل أهمية تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لمراجعة العمليات المالية والكشف عن الأنماط المشبوهة في الإنفاق الحكومي.
إن ما يفعله ماسك اليوم ليس مجرد مبادرة عابرة، بل هو “نموذج لإعادة تصور آليات عمل المؤسسات الحكومية”. وعلى الرغم من أن تعميم هذه المنهجية قد يكون تحديًا، إلا أنه ليس مستحيلاً إذا توفرت الإرادة السياسية والموارد التقنية اللازمة. يبقى السؤال مفتوحًا:
ختامًا، يظل السؤال المحوري معلقًا: هل ستتمكن دول أخرى من تبني هذا النموذج الثوري، أم أن هذه الجهود ستظل مجرد استثناء في عالم يعاني من البيروقراطية والفساد المالي؟ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة. ولكن، معالي الدكتور ” خير أبو صعاليك” وزير تطوير القطاع العام، ما هي رؤيتكم لهذا النموذج؟
وهل ترون إمكانية تطبيقه في سياقنا الوطني، وما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لتحقيق ذلك؟”