تمر أمتنا العربية في هذه المرحلة بلحظة فارقة من تاريخها الحديث. لحظة تتشابك فيها التهديدات الإقليمية مع تحديات الداخل، وتتضاعف فيها المسؤوليات الملقاة على عاتق عواصمنا الكبرى. وفي قلب هذه اللحظة، يبرز الدور المصري كعادته: مصر التي حملت على مدى عقود همّ الأمة ودافعت عن قضاياها، لتبقى بحقّ قلب العروبة النابض وحصنها المنيع.
إن ما يصدر عن القاهرة اليوم من رسائل ردع ليس مجرد خطاب إعلامي، بل هو تأكيد على معادلة أمنية جديدة مفادها أن أمن القاهرة هو أمن عمّان، وأن أي تهديد لمصر إنما هو تهديد مباشر للأمة بأسرها. فالقوات المسلحة المصرية، بما تملكه من قدرات وتجارب، ليست جيش مصر وحدها، بل هي عماد الأمن القومي العربي بأكمله، وهي درع الأمة في مواجهة أي عدوان يستهدف حاضرها ومستقبلها.
ومن موقعنا في الأردن، حيث نلتقي مع مصر في وحدة الدم والمصير، نرى أن هذه اللحظة تستوجب وقفة عربية صادقة، تتجاوز الحسابات الضيقة والخلافات العابرة. فالقاهرة وعمان والدوحة، ومعها كل العواصم العربية، مدعوّة اليوم إلى صياغة موقف موحّد عنوانه: الأمن القومي العربي كلٌ لا يتجزأ.
ولعلّ الدور الذي قامت وتقوم به الدوحة في دعم القضية الفلسطينية سياسيًا وإعلاميًا واقتصاديًا، يشكّل امتدادًا طبيعيًا للرسالة المصرية الأخيرة. فالتكامل بين موقف مصر العسكري الاستراتيجي، والدور القطري في إسناد الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده، يجسّد بوضوح أن الأمة حين تتوحّد تصنع المعجزات. وهذا التكامل ليس خيارًا ثانويًا، بل هو ضرورة وجودية لمستقبل أجيالنا.
لقد أثبتت الأحداث أن الخطر على أي عاصمة عربية هو خطر على كل العواصم، وأن التهديد الذي يواجهه الفلسطيني في غزة أو الضفة لا ينفصل عن التهديد الذي يواجهه المصري أو الأردني أو القطري. إننا أمام مصير واحد، تُصاغ معادلته بدماء الشهداء وصمود الشعوب وحكمة القيادة.
ومن موقعي كأردني، وكأمين عام لاتحاد عربي للملكية الفكرية، أؤكد أن المعركة اليوم ليست عسكرية فحسب، بل هي أيضًا معركة هوية وثقافة ووعي. فالاحتلال يسعى لطمس روايتنا وتزييف حقيقتنا، بينما واجبنا أن نتمسك بمشروع حضاري يربط بين قوة السلاح وقوة الفكرة. وإذا كانت القاهرة تبعث برسالة ردع عسكرية، فإن عمّان تبعث برسالة قانونية وسياسية، والدوحة برسالة دعم إنساني وإعلامي، لتلتقي كلها في منظومة واحدة عنوانها: قوتنا في وحدتنا.
إننا أمام فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي. فحين تتلاقى القاهرة وعمان والدوحة والرياض، وحين تدرك النخب الفكرية والسياسية أن مصيرنا مشترك، عندها فقط يمكن أن نستعيد زمام المبادرة ونصنع مستقبلًا يليق بأمتنا.
أمن القاهرة من أمن عمّان، ودور الدوحة امتداد لدور مصر، ورسالتنا جميعًا أن أمتنا ومصيرنا واحد.