العموم نيوز- لا يزال المستقبل الاقتصادي العالمي الشغل الشاغل للصحف الغربية، منذ عاصفة التعريفات الجمركية الأمريكية على معظم دول العالم، ونطالع اليوم مقالات تبحث مدى واقعية المخاوف بشأن “نهاية النظام العالمي”، والمخاوف بشأن مستقبل الدولار الأمريكي، وأخيراً مدى تأثير زيارة نتنياهو لواشنطن على إحياء حلم “الريفييرا” في غزة.
نبدأ جولتنا من النيويورك تايمز الأمريكية التي نشرت مقالاً يشير إلى بقعة ضوء في ظلام التشاؤم السائد في الوقت الحالي؛ حيث يقول الكاتب الدكتور أميتاف أشاريا، وهو أستاذ في العلاقات الدولية، إن “الفوضى بعد نهاية النظام الأمريكي ليست حتمية”.
ويوضح أشاريا أن المخاوف في هذا الشأن تستند إلى مفاهيم غربية خاطئة لخص تصحيحها في نقطتين: الأولى هي أن العقود السبعة الماضية لم تكن جيدة لجميع دول العالم كما كانت للدول الغربية بشكل خاص؛ والثانية هي أن مبادئ النظام نفسها ليست من اختراع الغرب.
ويشرح المقال النقطة الأولى بأن المدافعين عن النظام الحالي يرون أنه حال دون اندلاع حروب كبرى، وحافظ على نظام دولي مستقر ومزدهر، لكنّ أشاريا يؤكد على أن هذا “السلام” اقتصر على بعض الدول وحسب.
المخاوف من رسوم ترامب توجّه ضربة للاقتصاد السعودي هي “الأكبر منذ 5 سنوات”
فعلى الرغم من أن هذا النظام نجح في جلب السلام للغرب، بحسب أشاريا، إلا أنه ساهم في إحداث الفوضى في دول غير غربية، كما حدث في التدخلات الأمريكية في فيتنام والعراق وأفغانستان.
أما بالنسبة للنقطة الثانية، فيؤكد المقال على أن فكرة التعاون بين الدول، تسبق بزمن طويل ما ذكره الدبلوماسي الأمريكي الراحل هنري كيسنجر في كتابه “النظام العالمي”، عن “الوفاق الغربي” الذي نشأ بعد هزيمة نابليون عام 1815.
وأشار المقال إلى نظام دبلوماسي قديم يعود إلى 3000 عام، يُعرف بـ “رسائل تل العمارنة”، وهي مراسلات دبلوماسية بين الحكام المصريين وممثليهم في مملكتي كنعان وأمورو وقادة المملكة المجاورة.
ويصف المقال نظام “تل العمارنة” وهو اسم مدينة في صعيد مصر، بأنه كان قائماً على مبادئ المساواة والمعاملة بالمثل، فيما بين القوى العظمى في ذلك الوقت، موضحاً أن نظام “الوفاق الأوروبي” استمر لأقل من قرن، مقابل نظام تل العمارنة الذي حافظ على السلام لضعف هذه المدة تقريباً، أي لنحو قرنين.
كما أشار المقال الذي نشرته نيويورك تايمز إلى أقدم اتفاق ينص على القواعد الإنسانية للحرب، بين مصر والحيثيين في نحو عام 1269 قبل الميلاد، بما يسبق اتفاقيات جنيف لعام 1949.
وبالتالي فإن الاعتراف بجذور هذه المفاهيم في العصور القديمة، يعطي الأمل في “إمكان بقائها في عالم لا تُهيمن عليه أمريكا” بحسب أشاريا الذي ألف كتباً حول أفول نجم الغرب ونهاية النظام الأمريكي العالمي.
ومع ذلك، يرى المقال أن النظام القديم لم يمت بعد، وأن الولايات المتحدة لا تزال أقوى دولة في العالم بفضل قوتها العسكرية، وهيمنة الدولار، والقاعدة التكنولوجية الأمريكية الهائلة؛ إلا أنه لا يرجح أن يصمد نظامها العالمي حتى أواخر هذا القرن.
ويرى أشاريا في التغيرات الاقتصادية الطارئة سبباً يدعو للتفاؤل، حيث إن “إدراك أن النظام الأمريكي ليس النظام الوحيد الممكن، وأنه بالنسبة للعديد من الدول ليس حتى نظاماً جيداً أو عادلاً، يسمح بالأمل في أن نهايته قد تبشر بعالم أكثر شمولاً”.
ويبشر المقال في ختامه بأن في الإمكان الوصول إلى عالم “أكثر عدلاً” تشكله مجموعة عالمية من الدول، دون الاقتصار على الولايات المتحدة أو الصين أو حفنة من القوى العظمى.
كيف يمكن لترامب أن يطيح بالدولار من عرشه؟
ننتقل إلى مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية، حيث تناولت الخطر الذي يهدد مكانة الدولار، الذي يشكل عصب الاقتصاد الأمريكي كونه لا يزال العملة الاحتياطية العالمية حتى اليوم.
المقال المطول الذي كتبه ثلاثة من أساتذة العلاقات الدولية، يوضح أن مكانة الدولار تعتمد في الأساس على أربعة عوامل ينبغي أن تتمتع بها أي عملة تأمل في أن تشكل النصيب الأكبر من احتياطيات النقد الأجنبي لمعظم الدول.
أن تكون العملة سائلة، أي سهلة الشراء والبيع.
أن يوافق معظم الأفراد والبنوك والشركات على استخدامها في معاملاتهم.
أن تعمل كوحدة حساب مشتركة للسلع المتداولة عالمياً.
أن تعدها الأفراد والشركات والبنوك المركزية مخزناً موثوقاً للقيمة.
ومع ذلك، يثير المقال المخاوف من أنّ عودة ترامب إلى السلطة قد تشكل “تهديداً حقيقياً” لمكانة الدولار لأول مرة منذ عقود طويلة، على الرغم من أن الضرر لن يكون فورياً نظراً لغياب البدائل الجاهزة.
“لكنّ خطر التراجع النهائي، ووتيرة التراجع المحتملة، قد ازدادا”، بحسب المقال التحليلي، موضحاً أنه على أقل تقدير، ستؤدي ممارسات ترامب إلى “تآكل العوامل الداعمة لهيمنة الدولار”.
فنتيجةً لسياسات ترامب “إلى حد كبير”، بحسب المقال، تفوقت الأسهم الأوروبية على مؤشر الأسهم الأمريكي الرائد بنحو 20 في المئة خلال الربع الأول من عام 2025، وهو أكبر هامش ربح منذ أكثر من ثلاثة عقود.
وسلّط التحليل الضوء على المخاطر الكبيرة لسياسة فرض الرسوم الجمركية العالمية الهائلة، بالإضافة إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الأمريكي، ما يلحق “ضرراً لا رجعة فيه” بمصداقية الولايات المتحدة كشريك تجاري.
وهذا بدوره سيُقوّض الحاجة إلى الدولار واستخدامه، كما يؤدي إلى تنفير أقرب حلفاء الولايات المتحدة، بما يُبعد الدول التي كانت مستعدة للاعتماد على التجارة المُيسّرة بالدولار.
ومع مرور الوقت، يحذر المقال التحليلي من أن العلاقات التجارية المتنامية مع الصين وغيرها من الاقتصادات الكبرى قد تعطي الشركات حافزاً للاستعاضة عن الدولار في بعض المعاملات.
كما أن حملة العقوبات التي تشنها الإدارة الأمريكية على إيران، والإجراءات الصارمة التي اتخذتها ضد فنزويلا، تثير المخاوف من الاستخدام واسع النطاق للعقوبات في ولاية ترامب الثانية، ما يدعو الدول إلى تقليل اعتمادها على الدولار في التجارة عبر الحدود واحتياطيات العملات.
وقد تبدو أنظمة دفع أخرى مثل نظام “سيبس” CIPS أكثر جاذبية، وهو نظام دفع صيني يقدم خدمات تجارية عبر الحدود بعملة الرنمينبي الصينية.
وبما أنّ الصين أكبر شريك تجاري لنحو ثلثي دول العالم، وإذا ما أصبح نظام “سيبس” السبيل الوحيد للتعامل التجاري مع الشركات الصينية، فسيكون لدى المؤسسات المالية في تلك الدول حافز قوي للانضمام.
ويختتم المقال التحليلي بالإشارة إلى الجنيه الإسترليني الذي كان يسبق الدولار في مكانته العالمية في القرن التاسع عشر، لكن الحروب العالمية والتراجع السياسي والاقتصادي هو ما أدى إلى تراجعه، وبالتالي فإن الخيارات التي تتخذها الدول هي التي تُحدد العملات الاحتياطية.
كيف يمكن لزيارة نتنياهو إلى واشنطن أن تُشعل حلم ترامب بالريفيرا؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدى وصوله إلى البيت الأبيض في 7 أبريل/نيسان 2025 في واشنطن العاصمة.
Getty Images
نختتم جولتنا بصحيفة التايمز البريطانية، ومقال لمراسلتها الصحفية في تل أبيب، غابرييل وينيجر، التي تحدثت إلى مستوطن في الضفة الغربية المحتلة يدعى دانيال ديلويا يزداد أملاً يوماً بعد يوم بأن أحلامه في غزة قد تتحقق قريباً.
وتوضح المراسلة أن ديلويا لطالما دعا إلى إعادة توطين الإسرائيليين في الأراضي الفلسطينية، ويعتقد كالكثير من المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، أن “الوجود اليهودي في غزة يجسد حق العودة إلى أرض وطنهم منذ العصور التوراتية”.
ويعتقد ديلويا، الذي كان مرشحاً سياسياً في مستوطنة كريات أربع التي يقطنها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، أن إسرائيل على وشك منح الرئيس الأمريكي “الريفييرا التي يحلم بها” في غزة، في إشارة إلى اقتراح ترامب إخلاء الفلسطينيين وإنشاء منتجع سياحي على “أنقاض غزة”.
وقال ديلويا: “هناك منظمات تعمل منذ سنوات على تهيئة الظروف للعودة إلى ديارهم في غزة. لقد عززت الحرب هذه المنظمات وجعلت جماهير الإسرائيليين يدركون أن هذا هو الحل الأمثل على الأرجح”.
ويوضح مقال الصحيفة البريطانية أنه على الرغم من أنّ مطالبة المستوطنين بالعودة إلى غزة ليست جديدة، فهي فكرة “طالما روّجت لها حركة الاستيطان”، لكنّ ترامب دفعها بقوة عندما قال إن أمريكا ستستحوذ على القطاع وتحوله إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، ما جعل الفكرة أقرب للتحقق من أي وقت مضى، بحسبه.
وعزز المقال روايته من خلال تحليل جديد يظهر أن الجيش الإسرائيلي استولى الآن على أكثر من نصف القطاع في ظل الأوضاع الحالية، وأنه جرف ما لا يقل عن 35 في المئة من الأراضي الزراعية في غزة، بحسب منظمة “كسر الصمت”.
كما أشار المقال إلى موافقة مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي مؤخراً على إنشاء مكتب خاص لـ”الهجرة الطوعية” للفلسطينيين “الراغبين في الانتقال إلى دول ثالثة”.
وعلى الرغم من أن نتنياهو يُصرّح بأنه لا يرغب في إعادة احتلال إسرائيل لغزة بعد انسحابها قبل عقدين من الزمن، لكنه، بحسب المقال، ترك الباب مفتوحاً أمام شركائه في الائتلاف للقيام بذلك.
كما أن العديد من الأسماء الرمزية التي يستخدمها الجيش الآن للاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الساحلية، سُميت بأسماء مستوطنات يهودية مهجورة، مثل ممر نتساريم، الذي أُنشئ خلال الحرب لتقسيم الشمال والجنوب، وممر موراج وهو اسم مستوطنة كانت تقع بين رفح وخان يونس، بحسب المقال.
واستعان المقال بما نقلته صحيفة أسوشيتد برس عن جندي إسرائيلي في سرب دبابات، أن الإسرائيليين “دمروا كل ما في وسعهم، وأطلقوا النار على كل ما يبدو فعالًا. لن يكون لدى [الفلسطينيين] ما يعودون إليه، ولن يعودوا أبداً”.
وأضاف الجندي “لقد ذهبت إلى هناك لأنهم قتلونا، والآن سنقتلهم… ونقتل زوجاتهم وأطفالهم وقططهم وكلابهم، وندمر منازلهم”.
المصدر/إيلاف