في قمة السبع الكبار، غادر الرئيس الأمريكي ترامب الاجتماع دون أن يوقّع على البيان الختامي، والذي يدعو إسرائيل وإيران إلى وقف التصعيد العسكري.
وما يُقرأ بأن ترامب لم يحسم قراره بعدم التورط والانضمام والمشاركة في الحلقة التالية من المواجهة الإيرانية / الإسرائيلية. وفي طبيعة الحال، قرار المشاركة الأمريكية يتجاوز الإمداد العسكري وإرسال السلاح والذخائر والعتاد والدعم اللوجستي لإسرائيل، وفي معركتها ضد الهجمات الصاروخية الإيرانية.
رئيس الحكومة الإسرائيلي، نتنياهو، في اليومين الثالث والرابع من المواجهة مع إيران، وسّع من دائرة أهداف الحرب. وفي مقابلة مع شبكة ABC الأميركية، أكّد نتنياهو أن قتل خامنئي لن يشعل فتيل التصعيد كما يُعتقد، بل «سيضع حدًّا للنزاع»، على حد تقديره. تحوّل في مقاربة إسرائيل للحرب، ولا يُعبّر عن تحوّل تكتيكي، بل إنّه صعود في الأهداف الاستراتيجية للمواجهة. إذ إنّ إسرائيل لا تسعى إلى احتواء إيران كخصم، بل إنّ المطلوب إسقاط النظام السياسي واقتلاعه من جذوره، وهذا ما يعني اغتيال وتصفية المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي.
اغتيال مرشد الجمهورية الإيرانية ليس مجرد تصفية عسكرية وأمنية، وقد وُضع كهدف إلى جانب تدمير المنشآت والمشروع النووي الإيراني. إنّه صعود، وتغيير لوجوه إيران، وحسم لمسارات اليوم التالي للحرب، وإنتاج إيران جديدة دون عمامة ودون مرشد أعلى ولا مرجعية للثورة الإسلامية.
نتنياهو طلب من الرئيس الأمريكي ترامب التدخّل في الحرب. وفي استغاثة نتنياهو، يبدو أنه ترك قرار الحسم في الحرب لترامب، وأنّ ما تحقّق من ضربات قاضية في العمق الإيراني ليس كافيًا، ما لم تتدخّل أمريكا وتنفّذ الضربة القاضية في إيران. بالتأكيد إنّ حرب نتنياهو هي حرب ترامب. ودون مجهر ولا عدسات مكبّرة ترى صورة نتنياهو في وجه ترامب، والعكس.
وإلى أي مدى التماهي الإيديولوجي والاستراتيجي بين أمريكا وإسرائيل. طبعًا، هناك اختلاف في موازين القوى بين إيران وإسرائيل، وعلى الصعيدين العسكري والاستخباراتي.
إيران دون حلفاء، وبعدما تم تفكيك وتصفية حلفاء إيران في الإقليم، واحتوت إسرائيل بعد سقوط نظام بشار الأسد سورية الجديدة، وتوغلت في جنوبها، ووصل جيش الاحتلال إلى بوّابات دمشق، ودمّر الجيش السوري، واقتلع من الجنود السوريين حتى أحذيتهم المهترئة. الاختراق الأمني والاستخباراتي الإسرائيلي في إيران مروّع، وحتى إنه أصاب القيادات الجديدة والبديلة التي حلّت محل القيادات التي اغتالتها إسرائيل.
ولكن، ما هو مستبعَد أن يُعلن قادة إيرانيون الاستسلام. وفي المقابل، هل تستطيع إسرائيل أن تستمر بالحرب لأشهر، ولربما سنوات، وعلى نحو كارثي؟ وأن يتحوّل هدف إسرائيل إلى الصمود في المواجهة، بدل النصر والفوز الساحق في الحرب. في الاستراتيجية الإيرانية، اتّضح تنفيذ سياسة الضربات البطيئة والنوعية في العمق الإسرائيلي، وبعدما استوعبوا الجولة الأولى من المواجهة. تكتيك إيران، وتطوير المواجهة، والتقنيات، وضرب الصواريخ في العمق الإسرائيلي، يحوّل المواجهة إلى حرب استنزاف.
وهل تستطيع إسرائيل تحمّل حرب استنزاف دون انخراط ومشاركة أمريكا، ودخولها على خطّ الحرب مباشرة؟.
إنها أكثر من حاجة استراتيجية إسرائيلية، ولكنها مخاطرة أمريكية. وهناك فارق بين الانخراط الأمريكي المباشر في الحرب، والدعم العسكري والاستخباراتي واللوجستي الأمريكي لإسرائيل.
وفي حال دخول أمريكا في الحرب، فإنّ الأهداف والقواعد الأمريكية العسكرية في الإقليم ستكون على مرمى من الاستهداف الإيراني. وبعد التدخّل الأمريكي في الحرب، ما الذي يمنع إيران من إغلاق الممرّات المائية ومضيق هرمز تحديدًا أمام تجارة النفط والغاز والطاقة العالمية؟ حسابات معقّدة وشديدة التعقيد في المواجهة الإيرانية / الإسرائيلية. وكل الاحتمالات واردة، وحتى النووي الإسرائيلي ليس مستبعَدًا.
وأما انخراط ترامب في الحرب، فليس مستبعَدًا أيضًا، وقد حمل تعويلًا مطلقًا لإسرائيل على أمريكا في حرب غزّة، لدرجة أن يكتب صحفي إسرائيلي في «هآرتس»: لولا أمريكا لقاتلنا الفلسطينيين بالعصا والحجارة. وألا يعتبر دونالد ترامب أن حروب إسرائيل هي حروب أمريكا؟.