يبدو أن البشرية في طريقها لخسارة المعركة الأشرس منذ وجودها، والمتمثلة في صمودها أمام وحش التغير المناخي، الذي بدأ ينهش في أرضها مع تسجيل العلماء مؤخرا “أول نقطة تحول كارثية مرتبطة بانبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري”، حيث باتت الشعاب المرجانية حول العالم “في حالة موت لا رجعة فيها تقريبا”، وهو ما وصفه العلماء “بأنه أول نقطة تحول في انهيار النظام البيئي”.
ما تقدم هو خلاصة تقرير “نقاط التحول العالمية” الصادر مؤخرا، والذي نشرته وسائل إعلام عديدة حول العالم، والذي ساهم في صياغته 160 عالما من 87 مؤسسة في 23 دولة حول العالم، وهو التقرير الذي على قادة الدول والحكومات أخذه على محمل الجد، ووفق أعلى درجات الحذر والاستجابة السريعة، إذا ما أراد بني البشر أن ينقذوا أنفسهم قبل كل شيء.
الأرض تهتز بالمصائب من موجات حر قاتلة، وحرائق غابات مجنونة، واجتياح كارثي للهطول المطري، وأعاصير شديدة، وفيضانات مهلكة، وذوبان للصفائح والأنهار الجليدية، وارتفاع في مستوى سطح البحر، وتفاقم لدرجات حرارة المحيطات وحموضتها، وظروف جوية متطرفة في مختلف أرجاء العالم. ومع كل ذلك، فما يزال هناك من ينكر التغير المناخي ويصفه بالخدعة، وأولهم رئيس الدولة الأعظم في تاريخ البشرية، الولايات المتحدة وسيدها دونالد ترامب، في سعيه لحصد المليارات من باطن الأرض.
المصيبة أنه، ووفقا للتقرير، فإن هناك نقاط تحول مناخية حرجة أخرى (Climate Tipping Points) قد تصلها البشرية قريبا، وهي النقاط التي “قد تُطلق تفاعلات متسلسلة تؤثر على الأنظمة البيئية والمناخ العالمي بشكل كارثي لا رجعة فيه”، وفقا لعلماء المناخ.
ومن هذه النقاط ذوبان الغطاء الجليدي الذي يغطي غرينلاند. وإذا ما حدث هذا، فسيؤدي الذوبان إلى رفع مستويات سطح البحر بما يصل إلى 7 أمتار على مدار عدة قرون، ما يؤدي في النهاية إلى طمس المدن الساحلية في جميع أنحاء العالم. تخيلوا!
ومن النقاط المناخية الحرجة الأخرى، والتي قد نصلها إن لم نواجه حقيقة التغير المناخي بتكاتف بشري غير مسبوق، انهيار منظومة الغابات الاستوائية مثل الأمازون، وذوبان طبقات الجليد حول العالم، واضطراب تيارات المحيطات، وموت الشعاب المرجانية (وقد بدأ بالفعل)، وتغيرات غير مسبوقة في الرياح الموسمية وغير ذلك من جنون الطبيعة في وجه البشر.
المعضلة الحقيقية أن وصول الإنسانية إلى نقطة تحول مناخية واحدة يعني عدم قدرتها على العودة بعقارب الساعة إلى الوراء، حتى وإن تم اتخاذ كل الإجراءات اللازمة. هذا إضافة إلى تأثير الدينمو المرعب من نقطة مناخية حرجة إلى أخرى، وهو ما يعرف علميا بخاصية “التفاعل المتسلسل”.
مجمل القول أن البشرية دخلت مرحلة الخطر الوجودي، وكل ذلك بفعل أيدينا من جهل ولامبالاة وتقاعس عن القيام بما يجب علينا القيام به: وهو الالتزام الحقيقي بالمعاهدات والمواثيق المناخية الدولية، وأهمها اتفاقية باريس للمناخ، المبرمة عام 2015، “بحيث لا تزيد درجة الحرارة حول العالم، مقارنة بالمستويات الحالية، عن 1.5 درجة مئوية”، وصولا إلى الحياد الكربوني بما يتصل بانبعاثات غازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميثان على وجه التحديد)، وكل ذلك عبر الانتقال المدروس إجرائيا والتدريجي زمنيا والملزم أخلاقيا والقابل للقياس علميا، إلى مصادر الطاقة الخضراء والاقتصاد منخفض الكربون، بعيدا عن إطلاق العنان لحفر باطن الأرض أكثر طمعا في وقودها الأحفوري، من نفط وغاز وفحم، وهي معا السبب الكارثي لتراكم الانبعاثات الكربونية.
لا يمكن الاستمرار في تسجيل درجات حرارة تتفاقم يوما بعد الآخر، وآخرها ما أعلنه مرصد كوبرنيكوس الأوروبي، قبل أيام، من أن “العام الحالي قد شهد ثالث أكثر شهور سبتمبر (أيلول) حرا على الإطلاق، مع تسجيل درجات حرارة عالية قرب القطبين وفي أوروبا”.
التفاصيل العلمية كثيرة، لكن القرار بأيدينا في نهاية المطاف، والوقت ضيق جدا، وسيضيق حول رقابنا أكثر في الأشهر والسنوات القليلة المقبلة. فهل من استجابة، خصوصا مع انعقاد قمة المناخ العالمية “كوب-30” في البرازيل الشهر القادم، أم أن البشرية مستمرة في عنادها المميت؟!