لم تبلغ التحولات في المنطقة نهايتها بعد. يراقب الأردن عن كثب الملفات المفتوحة في فلسطين ولبنان وسورية، وجميعها ما تزال في غرفة العمليات الإسرائيلية. احتمال استمرار الوضع الحالي لفترة أطول وارد بقوة في ظل انسداد أفق التهدئة في غزة، وفائض القوة والثقة لدى حكومة نتنياهو يحول دون وقف عملياتها العسكرية واحتلالها أراضي في لبنان وسورية.
الولايات المتحدة؛ حليف الأردن الأساسي، لم تبلور بعد سياسة واضحة تجاه الحلفاء في المنطقة، وهي تخوض حربا جوية يومية في اليمن، وتنخرط في جهد دبلوماسي مع إيران ربما يفضي لاتفاق بعكس رغبة إسرائيل، أو تجد المنطقة نفسها بمواجهة عسكرية كبرى.
التغيرات الهائلة في السياسة الأميركية ونظرتها الجديدة للتحالفات في الشرق الأوسط، إلى جانب المخاطر التي حملتها حروب السنة الأخيرة، تفرض على صانع القرار السياسي تحديث مقارباته السياسية، لجهة تأمين احتياجات الأمن الوطني الأردني، داخليا وخارجيا.
لم يعد بالإمكان الاعتماد على النهج السابق، أو الركون للمعادلة نفسها. الإدارة الأميركية الحالية لديها حسابات غير تقليدية، وتفكر بمنهج مختلف عن سابقاتها، حتى من الإدارات الجمهورية. كنا نعرف سابقا أن وجود الجمهوريين في البيت الأبيض يعني علاقات ثنائية قوية مع الأردن، وتباينات حيال النظرة للملف الأهم بالنسبة لنا؛ القضية الفلسطينية.
المعادلة تغيرت مع إدارة ترامب، فالعلاقات على المستوى الثنائي لم تعد محسومة ومضمونة بشكل كلي. ثمة حاجة للتفكير بتنويع الخيارات، أكثر من السابق.
يبقى التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة عنوانا أساسيا في المقاربة الأردنية، لكن حسابات ما قبل ترامب ومحددات العلاقات الخارجية بحاجة لمراجعة. العديد من الدول العربية المعتدلة سعت منذ سنوات لتنويع خياراتها، وقد نجحت في ذلك، بينما كانت حسابات الأردن ومصالحه لا تتيح له ذلك بسهولة.
حاليا بدأت الأوضاع في التبدل، وبإمكان الأردن أن يعيد تفعيل خطوط التواصل مع عواصم دولية مهمة، وزيادة زخم العلاقات مع أوروبا، والبحث عن مصادر جديدة للدعم والاستثمار وإبرام الصفقات بما يخدم المصالح الأردنية.
الدبلوماسية الأردنية النشطة والحضور الكبير والمحترم لجلالة الملك يمنحان الأردن فرصة للعودة لمساحات دولية أوسع، وإعادة وصل خطوط الاتصال بسرعة وبكفاءة. ذلك يتطلب فقط إعادة ترتيب الأولويات، والتفكير بقدر أقل من المحاذير التي كانت تحكم سلوكنا في مرحلة إدارة بايدن.
السير في تطبيق برنامج التحديث الاقتصادي وتعزيز منعة الأردن الدفاعية، يتطلبان تفكيرا خارج الصندوق، والانفتاح على دول صاعدة واقتصاديات قوية ومنتعشة، وجذب رؤوس الأموال الأجنبية من كل الاتجاهات للمساهمة في المشاريع الكبرى. لدينا، على سبيل المثال، مشروع المدينة الجديدة، وهو يتطلب شراكات استثمارية كبرى مع صناديق عربية وأجنبية وربما صينية. كما أن تعزيز قدراتنا العسكرية بات أمرا ضروريا، فالسنة ونصف السنة الأخيران عززا القناعة لدى دول المنطقة بالحاجة لتطوير قدراتها الدفاعية في مواجهة إقليم مضطرب، ومعرض لمواجهات كبرى في أي لحظة.
الشراكات القوية مع دول في المنطقة، خاصة دول الخليج، أساسية للمستقبل، ولكن المتغيرات التي تعد فيها إدارة ترامب وتتبناها، سواء في علاقاتها مع روسيا أو سعيها لاتفاق تجاري تاريخي مع الصين، تؤشر على عالم جديد بدأ يتشكل، ولابد من الاشتباك معه، خاصة لدول صغيرة ومحدودة الموارد، مثل الأردن، لجني المكاسب كلما سنحت الفرص.