في ظل التحديات الاقتصادية العميقة التي يواجهها الأردن، تظهر الحاجة الملحة إلى إعادة هيكلة شاملة للإنفاق الحكومي، بما يسهم في ضمان الاستدامة المالية وتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية. إحدى الأفكار الجديرة بالبحث والتطوير هي استحداث وزارة متخصصة بكفاءة الإنفاق الحكومي، مستوحاة من النموذج الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حين أسس وزارة خاصة بكفاءة الإنفاق، تحت إشراف شخصيات ذات خلفيات مهنية رفيعة مثل إيلون ماسك. كان الهدف من هذه الوزارة هو القضاء على المؤسسات الحكومية غير الفعالة التي تشكل عبئًا على الميزانية العامة، وهو أمر قد يكون ذا تأثير بالغ في تحسين الوضع المالي للدولة.
لو تم تبني هذه الفكرة في الأردن، فإن نتائجها ستكون واعدة في مجالات عدة. يمكن أن يُسهم إنشاء وزارة مختصة بكفاءة الإنفاق في تقليل العجز المالي للدولة من خلال إجراء مراجعة شاملة ودقيقة لكل المؤسسات والهيئات الحكومية المستقلة. هذا الأمر سيسمح بتحديد جدوى وجود هذه المؤسسات ومدى تأثيرها على الاقتصاد الوطني. فمن المعروف أن هناك العديد من المؤسسات الحكومية التي تتداخل صلاحياتها مع الوزارات القائمة دون أن يكون لها تأثير ملموس يبرر النفقات التشغيلية الضخمة التي تتحملها الموازنة العامة. من خلال إلغاء أو دمج هذه الجهات غير الفعالة، يمكن توفير مبالغ ضخمة تُعاد توجيهها إلى قطاعات أكثر إنتاجية وحيوية مثل التعليم، والصحة، والزراعة، وهو ما يسهم في تحقيق نهضة اقتصادية شاملة ومستدامة.
إحدى القضايا الرئيسية التي تتطلب معالجة عاجلة هي ظاهرة التوظيف الزائد في بعض الدوائر الحكومية. هذا التوظيف يشكل عبئاً مالياً كبيراً دون أن ينعكس على زيادة الإنتاجية أو تحسين الخدمات العامة. يمكن معالجة هذه المشكلة عبر إعادة توزيع الكوادر البشرية بشكل أكثر فعالية، بحيث يتم نقل الموظفين إلى مؤسسات أو قطاعات تحتاج إلى مهاراتهم، مع إطلاق برامج تدريب وتأهيل تهدف إلى تطوير مهاراتهم وتمكينهم من المساهمة بشكل أكبر في الاقتصاد الوطني. إضافة إلى ذلك، يجب أن تخضع المشاريع الحكومية المتعثرة، والتي تعاني من سوء التخطيط أو الإدارة، لمراجعة صارمة بهدف إعادة تقييم جدوى استكمال هذه المشاريع أو إلغائها بشكل نهائي. من الضروري أن يُستثمر في المشاريع التي تضمن عائداً اقتصادياً حقيقياً، مما يعزز من فعالية الإنفاق الحكومي.
من العوامل الأساسية التي ستحقق النجاح في تطبيق هذه الفكرة هي الشفافية والمساءلة. لا يمكن ضبط الإنفاق الحكومي بشكل فعال دون وجود نظام رقابي متقدم يستخدم التكنولوجيا الحديثة لرصد النفقات وتحليل أوجه الصرف بشكل مستمر ودقيق. وبجانب ذلك، يجب تعزيز دور الجهات الرقابية الحكومية وضمان استقلاليتها التامة، لضمان عدم وجود أي تجاوزات أو استغلال للمال العام. هذه الخطوات هي الأساس لبناء نظام حكومي شفاف وفعال قادر على تحقيق نتائج إيجابية للشعب الأردني.
تحقيق الاستقلال الاقتصادي للأردن لن يكون ممكنًا ما لم يتم إصلاح منظومة الإنفاق الحكومي. إذا ما تم تبني هذه الفكرة وتنفيذها بالشكل الصحيح، فإن الأردن سيكون قادراً على تقليل العجز المالي بشكل كبير، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام بعيداً عن الاعتماد على القروض أو المساعدات الخارجية. ولكن الأهم من ذلك، أن هذه الخطوة ستساهم في تعزيز ثقة المواطن الأردني في حكومته، إذ سيرى أثر هذه الإصلاحات على تحسين الخدمات العامة، ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. من المؤكد أن تطبيق هذه الفكرة لن يكون سهلاً، لكنه ممكن إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية والرؤية الواضحة. فالأردن يمتلك الإمكانات والقدرة على تحقيق نهضة اقتصادية قائمة على الكفاءة والإنتاجية، وكل ما يحتاجه هو اتخاذ قرارات جريئة تركز على إعادة ترتيب الأولويات بما يخدم المصلحة الوطنية على المدى الطويل.
1 comment
من اروع ما قراءت ما شاء الله الدكتور القراله ابدع في الطرح
كب الاخترام للكاتب وانا قراءت له الكثير من المقالات
ابداع