الرئيس الأميريكي دونالد ترامب هدد إسرائيل بفقدان كل الدعم الأميريكي إذا ضمّت الضفّة الغربيّة.
هذا التحذير جاء بعد تصويت الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيديّة لمناقشة مشروعي قانون لضم أراضي الضفّة الغربيّة ومستوطنات قرب القدس.
نتنياهو أمر بوقف مشاريع القوانين لضم أراضي الضفة الغربيّة حتى إشعارٍ آخر، واليمين الإسرائيلي في عين عاصفة ترامب.
فهل دقّت ساعة السّلام؟
وما الذي يحدث بين الولايات المتحدة الأمريكيّة وإسرائيل؟
مشهد غير مسبوق أن تصل العلاقة بين الطرفين حد التهديد المباشر، بعد الرسائل التي حملتها زيارات رجالات الرئيس ترامب الأربعة إلى إسرائيل خلال أسبوع؛ للتأكّد من التزامها بوقف إطلاق النار في قطاع غزّة.
من الواضح أنّ البيت الأبيض يراقب كل خطوة، وبأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي رفض توصيف الوصاية الأمريكية عاد ليلتزم بتوجيهات ترامب.
الرئيس الأميريكي ترامب حسم الأمر باعتبار أنّ ضم إسرائيل للضفّة الغربيّة لن يحدث، وهو قال كذلك:”لأني اعطيت كلمتي للدول العربيّة”، مضيفًّا بأنّ “إسرائيل ستخسر كل الدعم المقدّم من قبل الولايات المتحدة إذا حدث ذلك”، جاء ذلك في مقابلة له مع مجلة تايم الأميريكية. ترامب أكّد بأنّه قال لنينياهو بأنّه لا يستطيع محاربة العالم.
حتى نائب الرئيس الأميريكي جيمس ديفيد فانس وصف بدوره تصويت الكنيست على ضم الضفّة الغربيّة بالخطوة الرمزيّة، وقال بأنه شعر بالاهانة من هذهِ الحيلة السياسيّة الغبيّة.
وزير الخارجية الأميريكي ماركو روبيو حذر أيضّا من خطورة التحركات الإسرائيليّة لضم الضفّة الغربيّة قائلًا “إن اقرار أي من مشاريع القوانين المطروحة أمام الكنيست في هذا الشأن سيهدد اتفاق غزّة”.
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أعتبر من جانبه أنّ تصويت المعارضة على مناقشة ضم الضفّة الغربيّة يعد استفزازًا متعمدًا بهدف إثارة الانقسام خلال زيارة نائب الرئيس الأميريكي إلى إسرائيل، وبناء على ذلك ستعلق قوانين السيادة في الضفًة الغربية إلى إشعارٍ آخر.
جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي إضافة إلى مجموعة من الدول أدانت مصادقة الكنيست على مشروعي قانونين لفرض السيادة على الضفة الغربية، وأكّدت الدول في البيان المشترك أن لا سيادة لإسرائيل على الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة.
يبدو أن الرئيس ترامب بدأ يرجح كفّة الدول العربيّة في معادلته للسّلام عبّر توسع الاتفاقيات الإبراهيمية، حيث هو بنفسه توقع أن تشهد الأشهر المقبلة انضمام المملكة العربيّة السعوديّة لهذهِ الاتفاقيات قبل نهاية العام الجاري. وأضاف ترامب موضحًا بأن “السعوديّة كان لديها مشكلة غزّة والآن لم تعد”، لكنّه لم يتحدث عن مشكلة وزراء نتنياهو المتطرفين!
فهل تمضي إسرائيل بفرض سيادتها على الضفة رغم الرفض الأميريكي رغم تحذيرات الإدارة الأميريكية؟ وما هي تداعيات ذلك؟
من الواضح أن واشنطن تهدد بفقدان تل أبيب لكل أنواع دعم الولايات المتحدة الأميركية إذا ضمّت الضفّة الغربيّة. فهل هذا كافٍ لردع طموحات نتنياهو وبتسلئيل سموتريش؟
وهل اقتراح القانون الذي قدّم في الكنيست كان عبارة عن مناورة سياسيّة من قبل اليمين الإسرائيلي المتطرف ضد نتنياهو؟ أو لخدمة نتنياهو أمام الرئيس الأمريكي؟.
الرئيس ترامب هو الرئيس الأميركي الأقرب إلى تل أبيب في تاريخ رؤساء الولايات المتحدة الأمريكيّة؛ فهو الذي أكّد أنّ القدس هي العاصمة الأبدية لإسرائيل، وهو الذي يوقع على تزويد تل أبيب بالأسلحة يطلبها نتنياهو دون معرفة خطورتها على الغزيين، وهو ما يدل على الازدواجية في المواقف السياسيّة والتصريحات.
يبدو بأنّ هناك شعور لدى الجانب الإسرائيلي بالأمان من جانب الرئيس ترامب، خصوصًا مع السماح بالطرح للتصويت للقراءة التمهيديّة، وهو ما يدل بوجود ضم تدريجي وبشكّلٍ فعلي.
إسرائيل اليوم تسيطر على مساحة كبيرة من أراضي الضفّة الغربيّة بشكل غير مباشر؛ خصوصًا منطقة جيم التي هي تشكّل اثنين وستين بالمئة من أراضي السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة، والتي لا يسمح للفلسطينيين بالبناء فيها دون موافقة إسرائيليّة، وهو ما يعد في إطار الضم الصامت، لا سما وأنّ بناء المستوطنات الإسرائيليّة الآن في مرحلة غير مسبوقة منذ العام ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعةٍ وستين.، في وقت تشجع الحكومة الإسرائيليّة المتطرفة على العنف؛ من خلال تسليح المستوطنين، الذين يقومون بسرقة أراضي الفلسطينيين وهم يحظون بالحماية من قبل الأمن الإسرائيلي.
تصويت الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على مشروعي قانوني الضم يلقي الضوء على المشروع الإسرائيلي الثاني ضمن مسار الضم، وهو مستوطنة معاليه أدوميم قرب القدس.
فذلك يعد المؤشر الخطير على مضي إسرائيل بمخطط الضم، سواء في الضفّة الغربيّة أو القدس الشرقيّة.
معالي أدوميم من كبرى المستوطنات في الضفة الغربية؛ إذ أُقيمت في العام ألفٍ وتستعمائةٍ وسبعةٍ وسبعين، وشيدت على أراضي بلدتي العيزرية و أبو ديس الفلسطينيتين. تبعد نحو سبعة كيلو مترات عن شرق القدس ويقطنها أكثر من أربعين ألف مستوطن، وتمتد على أكثر من ثمانية وأربعين ألف دونمٍ، ومحاطة في بلداتٍ فلسطينيّة، وتم مصادرة أراضٍ واسعةٍ منها، وقد أنشأت كجزء من استراتيجيّة لفصل مدينة القدس عن القرى والبلدات الفلسطينيّة المحيطة بها، وتوسعت عام ألفين وثمانية ضمن خطّة مشروع “إي ون” الاستيطاني.
المشروع يربط المستوطنة بالقدس ويعزل شمالها عن جنوبها، وقد صدرت أوامر هدم قرية الخان الأحمر ضمن منطقة “إي ون” عام ألفين وسبعة عشر، وفي عام ألفين وخمسةٍ وعشرين أُعلن عن تمويلٍ لبناء أكثر من ثلاثة آلاف وأربعمائة وحدة سكنية جديدة.
من الواضح بأن إسرائيل تقضمُ شيئًا فشيئًا من أراضي الضفّة الغربيّة؛ لمنع تواصل الدولة التي يفترض أن تقام هناك، من خلال مشاريعها للاستيطان وبناء مستوطنات جديدة.
فهل يستطيع ترامب أن يكبح جماح الحكومة الاسرائيليّة المتطرّفة لمنع ضم أجزاء من الضفّة الغربيّة، في وقت تتصاعد فيه مواقف الدول العربيّة الواضحة جدًا ضمن هذا الاطار؟.
يبدو واضحًا بأنّ بين ما يريده الرئيس ترامب وما بين ما يريده نتنياهو ووزراء اليمين المتطرف، هناك اختلاف في الأولويات بين توسيع الاتفاقيات الإبراهيميّة وتوسيع ربما مساحة إسرائيل، فبأي اتجاه سيذهب نتنياهو؟
وما هي أولويات نتنياهو والرئيس ترامب الذي هو يحرص على تمرير هذهِ المرحلة، والدفع باتجاه السّلام مع عددٍ من الدول العربيّة؟ وما هو المقابل الذي يمكن أن تقدّمه إسرائيل ضمن المعادلة الأمريكية؟ وهل هو تجميد الضم أم الشرط الذي كان قد وضعته المملكة العربيّة السعوديّة فيما يتعلق بالاعتراف بدولة فلسطين وسيكون مطروحًا على هذهِ الحكومة المتطرفة؟.
وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لا تريد حل الدولتين، ما هو الحل الذي تريده؟
الرئيس ترامب الذي قال عبارة:” أعطيتُ تعهدًا للدول العربيّة”، كما قال:” لا يمكن لإسرائيل أن تحارب العالم”.
ترامب الذي يحرص في علاقته مع الدول العربيّة، فأي مدى تخشى إسرائيل من تبدل الموازين، وخاصة مع تقاطع مصالح الرئيس ترامب مع عددٍ من الدول العربيّة؟

